وإن هذا التعنت في طلب الآيات ، وعقد مشابهة بين آيته الكبرى ، وآيات النبيين السابقين التي لم تأت بإيمان أهل الكتاب بل عاندوها ، وجحدوا بها ، وقالوا:هذا سحر مبين ، وقالوا ائتنا بآية غير هذا القرآن ، وقد ذكر أنه إن نسخ آية أي تركها يأت بمثلها ، أو خير منها .
ولذا ذكر سبحانه وتعالى أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حق في ذاته يدعو إلى نفسه ، وقد أيدت بآية هي حق ، ويدعو إلى الحق ، فقال تعالى:{ إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} أي إنا بعثناك نبيا مرسلا ، مقترنة أو متلبسة رسالته بالحق ، فهي حق يثبت نفسه ، وما فيها حق ، وما تدعو إليه حق ، والحق وحده كاف لإقناع من يكون عنده قلب يدركه ، ويمتلئ قلبه حكمة ، وبصيرة ، وإذا كان القلب مخلصا أدرك وآمن . يروى أن أكثم بن صيفي حكيم العرب عندما بلغه بعث النبي صلى الله عليه وسلم أرسل ولده يسألون عما يدعو إليه فلما ذهبوا إليه تلا عليهم قوله تعالى:{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ( 90 )} [ النحل] . فلما عادوا تلوا على أبيهم ما تلاه عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال حكيم العرب:إن هذا إن لم يكن دينا كان في أخلاق الناس أمرا حسنا ، كونوا يا بني في هذا الأمر أولا ، ولا تكونوا آخرا فالحق نور يدعو إلى اتباعه .
وقوله تعالى:{ بشيرا ونذيرا} أي مبينا الحق ، ومبينا أن جزاء من تبعه الحسنى ، ومبينا أن من يعانده يكون السوء مصيره ف{ بشيرا} بيان لبشرى من يتبع ، و{ نذيرا} بيان للسوء لمن يعاند ويجحد ، إنما أنت عليك البلاغ وإنما أنت نذير ، لما قال تعالى:{ وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ( 40 )} [ الرعد] ، و{ ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} لست أيها الرسول مسئولا عمن يتردون في الضلال ، وهم أصحاب الجحيم ، وعبر سبحانه وتعالى عنهم للدلالة على ما يستقبلهم من عقاب فللذين أحسنوا الحسنى وللذين أساءوا السوء .
والجحيم وصف من الجحمة والجحمة شدة تأجج النيران ، والمعنى لا تسأل عن الذين يلازمون النار ملازمة الصاحب فهم أصحابها والمختصون بها .
وإنه لا يسأل عنهم ، فهو النذير العريان الذي لا يتحمل تبعة مخالفة المخالفين ، بل هذا جزاؤهم وهو بشير أو نذير ،{ بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها . . . ( 41 )} [ الزمر]{ ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ( 7 )} [ الرعد] فلست بمسئول عمن كفر وطغى .