قال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن صالح ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الفزاري عن شيبان النحوي ، أخبرني قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أنزلت علي:( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ) قال:"بشيرا بالجنة ، ونذيرا من النار ".
وقوله:( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) قراءة أكثرهم ) ولا تسأل ) بضم التاء على الخبر . وفي قراءة أبي بن كعب:"وما تسأل "وفي قراءة ابن مسعود:"ولن تسأل عن أصحاب الجحيم "
نقلهما ابن جرير ، أي:لا نسألك عن كفر من كفر بك ، ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد:40] وكقوله تعالى:( فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر ) الآية [ الغاشية:21 ، 22] وكقوله تعالى:( نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) [ ق:45] وأشباه ذلك من الآيات .
وقرأ آخرون "ولا تسأل عن أصحاب الجحيم "بفتح التاء على النهي ، أي:لا تسأل عن حالهم ، كما قال عبد الرزاق:
أخبرنا الثوري ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليت شعري ما فعل أبواي ، ليت شعري ما فعل أبواي ، ليت شعري ما فعل أبواي ؟ ". فنزلت:( ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) فما ذكرهما حتى توفاه الله ، عز وجل .
ورواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن وكيع ، عن موسى بن عبيدة ، [ وقد تكلموا فيه عن محمد بن كعب] بمثله . وقد حكاه القرطبي عن ابن عباس ومحمد بن كعب قال القرطبي:وهذا كما يقال:لا تسأل عن فلان ; أي:قد بلغ فوق ما تحسب ، وقد ذكرنا في التذكرة أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا ، وأجبنا عن قوله:( إن أبي وأباك في النار ) . ( قلت ):والحديث المروي في حياة أبويه عليه السلام ليس في شيء من الكتب الستة ولا غيرها ، وإسناده ضعيف والله أعلم .
ثم قال [ ابن جرير] وحدثني القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني داود بن أبي عاصم:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم:"أين أبواي ؟ ". فنزلت:( إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ) .
وهذا مرسل كالذي قبله . وقد رد ابن جرير هذا القول المروي عن محمد بن كعب [ القرظي] وغيره في ذلك ، لاستحالة الشك من الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر أبويه . واختار القراءة الأولى . وهذا الذي سلكه هاهنا فيه نظر ، لاحتمال أن هذا كان في حال استغفاره لأبويه قبل أن يعلم أمرهما ، فلما علم ذلك تبرأ منهما ، وأخبر عنهما أنهما من أهل النار [ كما ثبت ذلك في الصحيح] ولهذا أشباه كثيرة ونظائر ، ولا يلزم ما ذكر ابن جرير . والله أعلم .
وقال الإمام أحمد:حدثنا موسى بن داود ، حدثنا فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، قال:لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقلت:أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . فقال:أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن:يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، وأنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا:لا إله إلا الله . فيفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا .
انفرد بإخراجه البخاري ، فرواه في البيوع عن محمد بن سنان ، عن فليح ، به . وقال:تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال . وقال سعيد:عن هلال ، عن عطاء ، عن عبد الله بن سلام . ورواه في التفسير عن عبد الله ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن هلال ، عن عطاء ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، به . فذكر نحوه ، فعبد الله هذا هو ابن صالح ، كما صرح به في كتاب الأدب . وزعم أبو مسعود الدمشقي أنه عبد الله بن رجاء .
وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الآية من البقرة ، عن أحمد بن الحسن بن أيوب ، عن محمد بن أحمد بن البراء ، عن المعافى بن سليمان ، عن فليح ، به . وزاد:قال عطاء:ثم لقيت كعب الأحبار ، فسألته فما اختلفا في حرف ، إلا أن كعبا قال بلغته:أعينا عمومى ، وآذانا صمومى ، وقلوبا غلوفا