)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )( البقرة:172 )
التفسير:
قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا} سبق الكلام على ذكر فوائد تصدير الخطاب بالنداء ،وبوصف الإيمان للمنادى ؛وتصدير الحكم بالنداء يدل على الاهتمام به ؛لأن النداء يستلزم انتباه المنادى .
قوله تعالى:{كلوا من طيبات ما رزقناكم}: الأمر هنا للامتنان ،والإباحة ؛و{مِن} هنا الظاهر أنها لبيان الجنس ؛لا للتبعيض ؛والمراد ب «الطيب »: الحلال في عينه ،وكسبه ؛وقيل: المراد ب «الطيب »: المستلذ ،والمستطاب .
قوله تعالى:{واشكروا لله}؛«الشكر » في اللغة: الثناء ؛وفي الشرع: القيام بطاعة المنعم ؛وإنما فسرناها بذلك ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ،فقال تعالى:{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} ،وقال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله} »{[231]} ؛فالشكر الذي أُمر به المؤمنون بإزاء العمل الصالح الذي أُمر به المرسلون ؛والقرآن يفسر بعضه بعضاً .
قوله تعالى:{إن كنتم إياه تعبدون}؛{إن} شرطية ؛وفعل الشرط:{كنتم}؛و{إياه} مفعول ل{تعبدون} مقدم ؛وجملة:{تعبدون} خبر كان ؛وجواب الشرط: قيل: إنه لا يحتاج في مثل هذا التعبير إلى جواب ؛وهو الصحيح ؛وقيل: إن جوابها محذوف يفسره ما قبله ؛والتقدير: إن كنتم إياه تعبدون فاشكروا له ؛و «العبادة » هي التذلل لله عز وجل بالطاعة ؛وذلك بفعل أوامره ،واجتناب نواهيه ؛مأخوذة من قولهم: طريق معبَّديعني مذللاً للسالكين؛يعني: إن كنتم تعبدونه حقاً فكلوا من رزقه ،واشكروا له .
الفوائد:
1من فوائد الآية: فضيلة الإيمان ،حيث وجَّه الله الخطاب إلى المؤمنين ،فهم أهل لتوجيه الخطاب إليهم ؛لقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا} .
2ومنها: الأمر بالأكل من طيبات ما رزق الله ؛لقوله تعالى:{كلوا من طيبات ما رزقناكم}؛وهو للوجوب إن كان الهلاك ،أو الضرر بترك الأكل .
3ومنها: أن الخبائث لا يؤكل منها ؛لقوله تعالى:{من طيبات ما رزقناكم}؛والخبائث محرمة ؛لقوله تعالى:{ويحرم عليهم الخبائث} .
4ومنها: أن ما يحصل عليه المرء من مأكول فإنه من رزق الله ؛وليس للإنسان فيه إلا السبب فقط ؛لقوله تعالى:{ما رزقناكم} [ البقرة: 57] .
5ومنها: توجيه المرء إلى طلب الرزق من الله عز وجل ؛لقوله تعالى:{ما رزقناكم}؛فإذا كان هذا الرزق من الله سبحانه وتعالى فلنطلبه منه مع فعل الأسباب التي أمرنا بها .
6ومنها: وجوب الشكر لله ؛لقوله تعالى:{واشكروا لله} .
7ومنها: وجوب الإخلاص لله في ذلك ؛يؤخذ ذلك من اللام في قوله تعالى:{لله} .
8ومنها: أن الشكر من تحقيق العبادة ؛لقوله تعالى:{إن كنتم إياه تعبدون} .
9ومنها: وجوب الإخلاص لله في العبادة ؛يؤخذ ذلك من تقديم المعمول في قوله تعالى:{إياه تعبدون} .
10ومنها: إثبات رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده من وجهين:
أولاً: من أمره إياهم بالأكل من الطيبات ؛لأن بذلك حفظاً لصحتهم .
ثانياً: من قوله تعالى:{ما رزقناكم}؛فإن الرزق بلا شك من رحمة الله .
11ومنها: الرد على الجبرية من قوله تعالى:{كلوا} ،و{اشكروا} ،و{تعبدون}؛كل هذه أضيفت إلى فعل العبد ؛فدل على أن للعبد فعلاً يوجه إليه الخطاب بإيجاده ؛ولو كان ليس للعبد فعل لكان توجيه الخطاب إليه بإيجاده من تكليف ما لا يطاق .
12ومنها: التنديد بمن حرموا الطيبات ،كأهل الجاهلية الذين حرموا السائبة ،والوصيلة ،والحام .