الآيتان
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَتِ مَا رَزَقْنَكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ( 172 )إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلاَ عَاد فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ( 173 )
التّفسير
الطّيبات والخبائث
القرآن ينهج أُسلوب التأكيد والتكرار بأشكال مختلفة في معالجته للانحرافات المزمنة .وفي هذه الآيات عودة إلى مسألة تحريم المشركين في الجاهلية لبعض الأطعمة دونما دليل .مع فارق هو أن الخطاب يتجه في هذه الآيات إلى المؤمنين ،بينما خاطبت الآيات السابقة جميع النّاس .
تقول الآية: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) .
هذه النعم الطيبة المحللة المتناسبة مع الفطرة الإنسانية السليمة قد خلقت لكم ،فلم لا تستفيدون منها ؟!
هذه الأطعمة تمنحكم القوة على أداء مهامكم ،وتذكركم بشكر خالقكم وعبادته .
لو قارنا هذه الآية بقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأرض ){[232]} لفهمنا نكتتين:
تقول الآية هنا: ( مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ،بينما تقول تلك ( مِمَّا فِي الاَْرْضِ ) .ولعل هذا الاختلاف يشير إلى أن النعم الطيبة مخلوقة أصلا للمؤمنين ،وغير المؤمنين يتناولون هذه الأطعمة ببركة المؤمنين ،كالماء الذي يستعمله البستاني لسقي أشجاره وأغراسه ،بينما تستفيد من هذا الماء أيضاً الأعشاب والنباتات الطفيلية .
والأخرى ،أن الآية تقول لعامة النّاس: ( كُلُوا ...وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَانِ ) وهذه الآية تخاطب المؤمنين وتقول: ( كُلُوا ... وَاشْكُرُوا للهِ ) أي لا تكتفي هذه الآية بالطلب من المؤمنين أن لا يسيئوا الاستفادة من هذه النعم ،بل تحثهم على حسن الاستفادة منها .
فالمتوقع من النّاس العاديين أن لا يذنبوا في استهلاك هذه النعم ،بينما المتوقع من المؤمنين أن يستثمروها في أفضل طريق .
وقد يثير تكرار التأكيد في القرآن الكريم على الاستفادة من الأطعمة الطيبة تساؤلا عن سبب هذا التكرار .أمّا لو عدنا إلى تاريخ العصر الجاهلي لفهمنا السبب .فالجاهليون قد حرّموا على أنفسهم بعض الأطعمة دونما دليل ،وتناقلت أجيالهم هذا التحريم وكأنّه وحي منزل ،ونسبوه أحياناً بصراحة إلى الله ،والقرآن استهدف اقتلاع جذور هذه الأفكار الخرافية من أذهانهم .
ثم إن التركيز على كلمة «طيب » يتضمن أيضاً دعوة إلى اجتناب ما خبث من الأطعمة ،كالميتة والوحوش والحشرات ،وكالمسكرات السائدة بين النّاس بشدّة آنذاك .
في تفسير الآية 32 من سورة الأعراف تحدثنا بالتفصيل عن استثمار المؤمنين الأطعمة الطيبة والزينة المعقولة{[233]} .