)وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ( البقرة:241 )
التفسير:
قوله تعالى:{وللمطلقات متاع بالمعروف}؛الجملة مكونة من مبتدأ ،وخبر ؛فالخبر مقدم:{للمطلقات} ؛والمبتدأ مؤخر ؛وهو قوله تعالى:{متاع بالمعروف}؛ومن ثم جاز الابتداء به وهو نكرة ؛لأنه يجوز الابتداء بالنكرة إذا تأخر المبتدأ .
وقوله تعالى:{وللمطلقات} من ألفاظ العموم ؛لأن «أل » فيها اسم موصول ؛فيشمل كل المطلقات بدون استثناء ؛وهن من فارقهن أزواجهن ؛وسمي طلاقاً ؛لأن الزوجة قبله في قيد النكاح ؛ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان »{[428]} أي أسيرات ؛وقال تعالى عن امرأة العزيز:{وألفيا سيدها لدى الباب} [ يوسف: 25]؛و{سيدها}: زوجها .
قوله تعالى:{متاع} أي ما تتمتع به من لباس ،وغيره ؛وقوله تعالى:{بالمعروف} متعلق ب{متاع}؛يعني: هذا المتاع مقيد بالمعروف - أي ما يعرفه الناس - ؛وهذا قد يكون مفسَّراً بقوله تعالى:{وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف} [ البقرة: 236] ،أي المتاع على الموسر بقدر إيساره ؛وعلى المعسر بقدر إعساره .
قوله تعالى:{حقًّا} مصدر منصوب على المصدرية عامله محذوف ؛والتقدير: نحقه حقاً ؛و «الحق » هنا بمعنى الحتم الثابت ؛و{على المتقين} أي ذوي التقوى ؛و «التقوى » هي القيام بطاعة الله على علم وبصيرة ؛وما أحسن ما قاله بعضهم: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله ،وأن تترك ما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله ؛ولا يعني قوله تعالى:{على المتقين} أنه لا يجب على غير المتقين ؛ولكن تقييده بالمتقين من باب الإغراء ،والحث على لزومه ؛ويفيد أن التزامه من تقوى الله عزّ وجلّ ؛وأن من لم يلتزمه فقد نقصت تقواه .
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: وجوب المتعة لكل مطلقة ؛لعموم قوله تعالى:{وللمطلقات}؛ويستثنى من ذلك:
أ - من طلقت قبل الدخول وقد فرض لها المهر ؛لقوله تعالى:{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} [ البقرة: 237] .
ب - من طلقت بعد الدخول فلها المهر: إن كان مسمًّى فهو ما سمي ؛وإن لم يكن مسمًّى فمهر المثل ؛واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن من طلقت بعد الدخول فلها المتعة على زوجها مطلقاً ؛لعموم الآية .
2 - ومن فوائد الآية: أنه ينبغي تأكيد الحقوق التي قد يتهاون الناس بها ؛لقوله تعالى:{حقًّا على المتقين} .
3 - ومنها: أنه ينبغي ذكر الأوصاف التي تحمل الإنسان على الامتثال فعلاً للمأمور ،وتركاً للمحظور ؛لقوله تعالى:{حقًّا للمتقين}؛لأن عدم القيام به مخالف للتقوى ؛والقيام به من التقوى .
4 - ومنها: اعتبار العرف ؛لقوله تعالى:{متاعاً بالمعروف} [ البقرة: 236]؛وهذا ما لم يكن العرف مخالفاً للشرع ؛فإن كان مخالفاً له وجب رده إلى الشرع .
5 - ومنها: أن التقوى تحمل على طاعة الله بفعل أوامره ،واجتناب نواهيه .