)فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) ( البقرة:36 )
التفسير:
قوله تعالى:{فازلهما الشيطان}؛وفي قراءة:{فأزالهما}؛والفرق بينهما أن{أزلهما} بمعنى أوقعهما في الزلل ؛و{أزالهما} بمعنى نحَّاهما ؛فعلى القراءة الأولى يكون الشيطان أوقعهما في الزلل ،فزالا عنها ،وأُخرجا منها ؛وعلى الثانية يكون الشيطان سبباً في تنحيتهما ؛و{الشيطان} الظاهر أنه الشيطان الذي أبى أن يسجد لآدم: وسوس لهما ليقوما بمعصية الله كما فعل هو حين أبى أن يسجد لآدم ..
قوله تعالى:{عنها} أي عن الجنة ؛ولهذا قال تعالى:{فأخرجهما مما كانا فيه} من النعيم ؛لأنهما كانا في أحسن ما يكون من الأماكن ..
قوله تعالى:{وقلنا} أي قال الله لهما ؛{اهبطوا}: الضمير للجمع ،والمراد آدم ،وحواء ،وإبليس ؛ولهذا قال تعالى:{بعضكم لبعض عدو}: الشيطان عدو لآدم ،وحواء ..
قوله تعالى:{ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} يعني أنكم سوف تستقرون في الأرض ،وسوف تتمتعون بها بما أعطاكم الله من النعم ،ولكن لا على وجه الدوام ؛بل إلى حين .وهو قيام الساعة ..
الفوائد:
. 1من فوائد الآية: الحذر من وقوع الزلل الذي يمليه الشيطان ؛لقوله تعالى: ( فأزلهما الشيطان عنها ) .
. 2ومنها: أن الشيطان يغرّ بني آدم كما غرّ أباهم حين وسوس لآدم ،وحواء ،وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ،وقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ؛فالشيطان قد يأتي الإنسان ،فيوسوس له ،فيصغر المعصية في عينه ؛ثم إن كانت كبيرة لم يتمكن من تصغيرها ؛منّاه أن يتوب منها ،فيسهل عليه الإقدام ؛ولذلك احذر عدوك أن يغرك ..
. 3ومنها: إضافة الفعل إلى المتسبب له ؛لقوله تعالى:{فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه}؛وقد ذكر الفقهاء .رحمهم الله .أن المتسبب كالمباشر في الضمان ،لكن إذا اجتمع متسبب ومباشر تمكن إحالة الضمان عليه فالضمان على المباشر ؛وإن لم تمكن فالضمان على المتسبب ؛مثال الأول ؛أن يحفر بئراً ،فيأتي شخص ،فيدفع فيها إنساناً ،فيهلك: فالضمان على الدافع ؛ومثال الثاني: أن يلقي شخصاً بين يدي أسد ،فيأكله: فالضمان على الملقي .لا على الأسد ..
. 4ومن فوائد الآية: أن الشيطان عدو للإنسان ؛لقوله تعالى:{بعضكم لبعض عدو}؛وقد صرح الله تعالى بذلك في قوله تعالى:{إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً} ( فاطر: 6 )
. 5ومنها: أن قول الله تعالى يكون شرعياً ،ويكون قدرياً ؛فقوله تعالى:{يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها}: هذا شرعي ؛وقوله تعالى:{وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو}: الظاهر أنه كوني ؛لأنه سبحانه وتعالى يعلم أنه لو عاد الأمر إليهما لما هبطا ؛ويحتمل أن يكون قولاً شرعياً ؛لكن الأقرب عندي أنه قول كوني .والله أعلم ..
. 6ومنها: أن الجنة في مكان عالٍ ؛لقوله تعالى:{اهبطوا}؛والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل ..
. 7ومنها: أنه لا يمكن العيش إلا في الأرض لبني آدم ؛لقوله تعالى:{ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}؛ويؤيد هذا قوله تعالى:{فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون} [ الأعراف: 25]؛وبناءً على ذلك نعلم أن محاولة الكفار أن يعيشوا في غير الأرض إما في بعض الكواكب ،أو في بعض المراكب محاولة يائسة ؛لأنه لابد أن يكون مستقرهم الأرض ..
. 8ومنها: أنه لا دوام لبني آدم في الدنيا ؛لقوله تعالى:{ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} ..