لكن إبليس الحاسد لآدم ،الحاقد عليه ،أخذ يغريهما بالأكل من تلك الشجرة حتى زلاَّ ،فأكلا منها ،عند ذلك أخرجهما الله مما كانا فيه من النعم ،وأمرهما أن يعيشا في هذه الأرض ،وذرّيتهما من بعدهما ،و يكون بعضهم لبعض عدوّا .وأبلغهم أن لهم في الأرض استقراراً ،وتيسيراً للمعيشة إلى أجل معين ،لأن هذه الدنيا فانية ،والدار الآخرة هي الباقية .
وأما قضية عصيان آدم ومخالفته ،فقد تكلم فيها المفسرون والمستشرقون الغربيون ،وتخبطوا في ذلك ،والحق أن قليلاً من النقاد الغربيين من يفطن للخاصة الإسلامية التي تتمثل في قصة آدم هذه .إذ الغالب في أوساطهم أن يتكلموا عن زلة آدم فيسمّوها"سقوطا "ثم يرتبوا عليها ما يترتب على السقوط الملازم لطبيعة التكوين .هذا مع أنه ليس في القرآن أثر قط للسقوط بهذا المعنى في حق كائن من الكائنات العلوية أو الأرضية ،وإنما هو انتقال الإنسان من حال إلى حال ،أو من عهد البراءة والدعة إلى عهد التكليف والمشقة .
وجوهر المسألة في القصة أن القرآن الكريم لم يذكر قط شيئاً عن سقوط الخليقة من رتبة إلى رتبة دونها ،ولا سقوط الخطيئة الدائمة بمعنى تلك التي يدان فيها الإنسان بغير عمله .إنه لا يعرف إرادةً معاندة في الكون لإرادة الله يكون من أثرها أن تنازعه الأرواحَ وتشاركه في المشيئة وتضع في الكون أصلاً من أصول الشر .
لقد جاء الإسلام بهذه الخطوة العظمى في أطوار الأديان ،فقرر في مسألة الخير والشر والحساب والثواب أصحَّ العقائد التي يدين بها ضمير الإنسان ،وقوام ذلك عقيدتان:
أولاهما: وحدة الإرادة الإلَهية في الكون .
والثانية: ملازمة التبعة لعمل العامل دون واسطة أخرى بين العامل وبين ضميره وربّه» .