جاءهما الشيطان من ناحية هذه الشجرة ، وجاء الإغراء من النهي عن الأكل منها ؛ ولذلك قال تعالى:
{ فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا
بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( 36 )} .
وترى في الآية{ فأزلهما الشيطان عنها} ، وعبر بالشيطان وهو إبليس لأنه ابتدأ يتحرك فاسدا مفسدا ، وأزلهما معناها أوقعها في الزلل ، ولقد ذكر سبحانه وتعالى النتيجة وهي أنه أوقعهما في الزلل بأكلهما منه ، وفصل سبحانه وتعالى عمل إبليس في موضع آخر في سورة الأعراف ، فقد قال تعالى في هذه السورة ما فعله بإبليس عندما عصى أمر ربه بالسجود إذ أخرجه منها ، وقال بعد استكباره:اخرج منها فإنك من الصاغرين . . وقال لآدم:{ ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ( 19 ) فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ( 20 ) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ( 21 ) فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ( 22 ) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( 23 ) قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( 24 ) قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ( 25 )} [ الأعراف] .
ففي هذا النص الذي تدل عليه هذه الآيات الكريمات يبين سبحانه كيف كان الإغواء ، وأنه جاء من جهة الترغيب في الاستعلاء والبقاء ، فأوهمهما أن النهي كان لكيلا يكونا من الملائكة ، مع أن آدم سجدت له الملائكة ، ولكنهما غفلا عن هذا فأوهمهما أنهما يكونان خالدين في الجنة إن أكلا .
وكانت النتيجة من الأكل أن بدت لهما سوءاتهما بعد الأكل من الشجرة ، وادعى بعضهم أن هذا يدل على أنها شجرة الشهوة ، ولكن لا دليل ، فيبقى أمر الشجرة غير معلوم .
والأمر الذي ترتب على الأكل في آية البقرة وآية الأعراف هو الخروج من الجنة ، والهبوط إلى الأرض ، أي النزول من مكان أعلى منها ،{ وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو} أي أمر التكوين كان لآدم وزوجه وإبليس ، وقوله تعالى:{ بعضكم لبعض عدو} ، أي أن إبليس عدو لكم فاحذروه وإنه وذريته ينفثون في نفوس الناس الشر ، فتكون العداوة الدائمة المستمرة ، والتنازع والحروب .
{ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} أي الأرض التي خلقها وخلق لكم ما فيها جميعا ستكون مستقرا أي موضع قرار دائم ، لا أن تكون مسكنا تتركونه ، ويكون فيها متاعكم إلى حين أي إلى وقت أن تموتوا ثم تحيوا فيكون البعث والنشور ، وهكذا كان الشيطان بعداوته طريق الخروج من جنة الله تعالى إلى أرضه .