وإن آدم أحس بأنه عصى ربه ، وأنه ظلم نفسه ، فألهمهما الله تعالى أن يقرا بالمعصية ، وأن يطلبا منه سبحانه وتعالى غفران هذا العصيان{ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( 23 )} [ الأعراف] ، هذه هي الكلمات التي تلقياها من ربهما كما قال تعالى:
{ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ( 37 )} .
وكما جاء في سورة طه:{ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ( 122 )} [ طه] .
هذه القصة الحقيقية في خلق الله سبحانه وتعالى آدم ، وهي تدل على ثلاثة أمور:
أولها:أن الله تعالى كرم آدم على خلقه من الملائكة والجن بدليل أنه سبحانه أمرهم بالسجود له .
ثانيها:أن الله تعالى خلقه ووهبه الاستعداد لمعرفة الأشياء ، وبها امتاز على الملائكة ، وبهذا الاستعداد للعلم ، ومعرفته أسماء الأشياء سخر الله تعالى له ما في السماء وما في الأرض ، وذلل له كل ما في الأرض وما في السماء .
ثالثها:أنه يؤتى من قبل أهوائه وما يغريه ، وأن إبليس له عدو مبين ، وأنه سلط على آدم ، وسلط على بنيه من بعده ، وأنه موسوس في نفسه ، فهو لا يتصل بحسه ، ولا يتصل بنفسه .
ولسنا نقول إن الجن وإبليس ، هما وسوسة النفس ، أو ما يحيك في الصدر ، ولكن نقول إن الجن مخلوقات موجودة ، وإن إبليس موجود مخلوق ، ولكن مع ذلك نقول إن إبليس وذريته من بعده يوسوسون في النفوس بالشر ، وإن كانوا يعجزون عن النفوس المؤمنة الطاهرة .
وإن إبليس وذريته يجيئون إلى النفوس من قبل الشهوات ، والأهواء ، وعلى المؤمن أن يسد مسام الشيطان .
الأرض موطن التكليف
خرج آدم وزوجه من الجنة ، ولم يكن فيها تكليف إلا أمرهما بألا يأكلا من شجرة معينة ، خرجا إلى هذه الأرض ، وكان التكليف ، وكان اختبار بني آدم فيها ، وعلى قدر ما يفعلون من خير يكون جزاء الخير ، وعلى قدر ما يكسبون من إثم يكون جزاؤه ، وفي كل نفس استعداد للخير ، وللشر ، والخير هو الأصل ؛ ولذا قال تعالى:{ ونفس وما سواها ( 7 ) فألهمها فجورها وتقواها ( 8 )} [ الشمس] فكانت النفس الأمارة بالسوء بجوار النفس اللوامة فكان الاختبار بعد هبوط الأرض .