قال تعالى بعد قصة الخلق والتكوين:
{ قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع
هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 38 )
جاء التكليف عند نزول الأرض ، وقوله:{ قلنا} معناه أنه أخرج من الجنة ، وقال له تعالى بلسان التكوين:اهبطوا ، والهبوط هنا معنوي أو حسي ، والمعنوي أنهم نزلوا من الجنة حيث كان القرب من الملائكة الأطهار ، وحيث كان العيش رغدا لا مشقة فيه ، ولا جهد ، بل هو راحة واطمئنان – إلى حيث اللغوب والمشقة ، والمعترك الذي يكون فيه الغلب والقهر والانهزام ، وحسي لأنه نزول من مكان عال إلى أدنى منه ، والهبوط المعنوي ظاهر ؛ ولذا نقتصر عليه ، لأن الحسي غير ظاهر ، وإذا كان الهبوط حيث التكليف فالجميع يهبطون:آدم وزوجه وإبليس ، والتكليف على الجميع ، فكل ينال أثر عمله .
وقوله تعالى:{ فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي} يدل على أن الله يرسل الرسل مبشرين ومنذرين ، فالهدى الذي يجيء من قبل الله تعالى هو ما يكون بالرسالة الإلهية التي تكون عن طريق من يرسلهم الله تعالى مؤيدين بالمعجزات الظاهرة الباهرة .
وقوله تعالى:{ فإما} فيه ما زائدة في الإعراب ، وليست زائدة في البيان ؛ لأنها دالة على تأكيد الإتيان ؛ ولذلك يكون بعدها تأكيد الفعل بنون التوكيد الثقيلة تأكيدا وجوبيا عند أكثر علماء البيان ، كالقسم لأن إما في معناه ، بيد أن هذه تأكيد لفعل الشرط ، وهنالك تأكيد لجواب القسم – وإن معنى التأكيد لفعل الشرط أن مجيء الهداية ثابت ثبوتا لا مجال للريب فيه .
وتنكير هدى للتعظيم والتكثير ، فهو هدى يهدي إلى الحق ، ويهدي إلى حياة قويمة مستقيمة ، ويهدي إلى النفع الإنساني العام ، وإلى استخراج ينابيع الأرض مما في باطنها ، وإلى الفضيلة الإنسانية ، والعدالة في كل نواح الحياة .
وجواب الشرط في قوله تعالى:{ فإما يأتينكم مني هدى} هو قوله تعالى:{ فمن تبع هداي فلا خوف} أي أن الذين يتبعون ما يجئ به النبيون من رسالات إلاهية فإنهم يكونون طائعين خاضعين لأحكام الله تعالى ، محاربين للشيطان وإغرائه ووسوسته ، ولا يعاقبون ؛ ولذا قال تعالى:{ فلا خوف عليهم} ، وهو جواب{ فمن تبع} لأنها هي الأخرى شرط ، فكان جواب{ فإما يأتينكم مني هدى} جملة شرطية ، أي فيها شرط وجواب ، فقوله تعالى:{ فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} جواب شرط الثانية .
ومعنى{ فلا خوف عليهم} أنهم يكونون في أمن من عذاب الله تعالى ، ولا يحزنون على أمر فاتهم ، لأنهم سبقت طاعتهم ، ولا يكونون في حال حزن ، بل في سرور ، وعلى سرر متقابلين .