وليسوا كالذين يخضعون لوسوسة إبليس ، وإغرائه ، فلا يطيعون ، ويجحدون ، ولذا ذكر الله عقوبة الأشرار بجوار ثواب الأخيار ليدرك أهل الحق الفرق بين الفريقين ، فقال تعالى:{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} وكفروا معناها جحدوا أو ستروا ينابيع الإيمان في قلوبهم ، وأفسدوا فطرة الله تعالى ، وكذبوا بآياتنا .
وآيات الله تعالى آيات كونية ، وهي خلق السماوات والأرض وكل ما في الكون مما يدل على الله تعالى ، وأنه خالق كل شيء ، وآيات تجيء على أيدي الرسل الذين يجيئون بهدى الله سبحانه ، وهي المعجزات التي تدل على أن حامليها رسل من عند الله سبحانه وتعالى العلي القدير ، وآيات تتلى في كتبه .
وقد كذبوا بكل هذه الآيات ؛ ولذا قال سبحانه وتعالى:{ كذبوا بآياتنا} أي طمس الله تعالى على بصائرهم فلا يدركون حقا ، ولا يذعنون لدليل ، ولو كان من عند العزيز العليم .
وكما ذكر سبحانه جزاء الذين اتبعوا الهدى ، وآمنوا بالحق ، وهو أنهم لا يخافون ، ولا يحزنون ، وذكر الخوف بقوله تعالى:{ فلا خوف عليهم} أي لا ننزل بهم ما يوجب الخوف .
كما ذكر سبحانه وتعالى جزاء هؤلاء المتقين الذين ينتفعون بالآيات والعظات ، ذكر جزاء الكافرين فقال تعالى:{ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} .
ذكر الله سبحانه وتعالى عقوبتهم في الآخرة بهذا النص السامي ، فابتدأ باسم الإشارة ، وقد ذكرنا آنفا أن الإشارة إلى المذكور بصفات تكون الإشارة إلى الصفات ، وفيها إيماء إلى أن هذه الصفات هي علة الحكم التالي الذي هو خبر اسم الإشارة ، والحكم أنهم أصحاب النار ؛ أي أنهم ملازمون للنار لا يفارقونها ، ولا تتخلى عنهم كما لا يتخلى الصاحب عن صاحبه ، وذكر سبحانه وتعالى أنهم خالدون فيها ، فقال تعالى:{ هم فيها خالدون} ، وقد أكد خلودهم في النار بالجملة الاسمية ، وتقديم الجار والمجرور ، أي هم خالدون ، وخلودهم مقصور عليها ، فلا حول لهم ولا قوة .