] وَالَّذِينَ كَفَرُواْ[ وجحدوا حقائق الإيمان] وَكَذَّبُواْ[ الرسل وانحرفوا عن خطّ الرسالات ،فكذبوا] بِآيَاتِنَآ[ الواضحة الجلية التي لا مجال فيها لإنكار منكر ،] أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ دائمون ،لأنَّ اللّه قد أقام عليهم الحجة في توحيده وربوبيته ،وأخذ عليهم العهد في الالتزام بالمضمون الحيّ لمعنى العبودية المنطلقة من خلقه لهم ،فأنكروا ذلك كلّه ،فحقّت عليهم كلمة العذاب في نار جهنم وبئس المصير .
أمّا حصيلتنا من هذه الآياتفي الخطّ العملي لحياتنافهي أن نستفيد من تركيز اللّه على عداوة إبليس لآدم ،لإثارة عمق الإحساس بالعداوة في حياتنا إزاء إبليس وجنوده ،ما يجعلنا نعيش الحذر في الفكرة ،وفي الكلمة ،وفي الخطوات العملية ،وذلك بأن ننفذ إلى أعماق ذلك كلّه في شهواتنا وخلفياتها الذاتية ،لأنَّ الدوافع الشريرة قد تختبىء وراء ستار كثيف من الانطباعات السطحية الخفيفة الكامنة في زوايا النفس ،وقد تتلوّن ببعض الألوان المحببة إلى النفس في ما تقبله أو ترفضه .ثُمَّ نلتفت إلى ما حولنا من الأشياء التي تثيرنا نحو التحرّك ،وإلى من حولنا من النّاس الذين نختلف معهم في جوانب العقيدة والحياة عندما نلتقي بهم في بعض مراحل الطريق ،أو نتفق معهم في بعض خطط العمل ،لندرس كلّ علاقة فكرية أو عملية ،بروح الحذر الذكي الذي لا يتجمّد ليشلَّ في الإنسان جانب الحركة في جوّ الشك ،بل يتحرّك ليبحث عن كلّ السلبيات الكامنة في خلفيات الأشياء والنفوس ،فقد تكون هناك بعض الأمور السيئة الكامنة خلف واجهات الإغراء .
إنَّ علينا أن نضع أمامنا حقيقة العداوة مع الأعداء ،فلا نستسلم لحالات الاسترخاء الطيِّب في نفوسنا للعلاقات الطارئة التي تعيش في جوٍّ حميم ،لأنَّ العدو الذي يعيش الإحساس بالفواصل الفكرية والروحية والعملية التي تفصله عنا ،لا بُدَّ له من التخطيط الفكري والعملي الذي يشل معه قدراتنا عن التحرّك ،ويوحي لنا بالانحراف من حيث لا نريد أو لا نشعر ،فنستسلم للسذاجة الطيبة ،وللكلمات المعسولة ،وللأجواء الحميمة التي يتنامى فيها الشعور بحسن الظنّ ،إنَّ علينا أن نستحضر هذا الإحساس بالفواصل الفكرية والشعورية لنخطط لعملية الثبات على الإيمان من خلال الثبات على القواعد الفكرية والعملية ،لنحفظ خطواتنا من الزلل ،ومشاعرنا من الذوبان ،وأفكارنا من الانحراف ،ولا سيما في مثل هذه الأوقات التي يكثر فيها أعداء الإسلام ،وتتنوّع أساليب الإغراء التي تقتطع من الإسلام قطعة من هنا وقطعة من هناك ،لحساب قضية من القضايا غير الإسلامية ،ليتجمع النّاس حولها فيحسبوها من الإسلام ،وما هي من الإسلام ،إن هي إلاَّ الكفر المقنَّع خلف الواجهات الإسلامية .
إنَّ اللّه يريد من الإنسان أن يعيش الوعي العميق الممتد في كلّ خطواته من خلال وعيه لتجاربه في ما حوله وفي من حوله ،ليسير إلى غاياته على أساس الرؤية الواضحة ،والإرادة الحرة ،لينتهي إلى رحاب اللّه من موقع الطاعة الواعية المستقيمة .