قوله تعالى: ( قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون .و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ذلك تكرار للقرار الرباني العظيم بالهبوط إلى الأرض ،و هو تكرار يقصد به التأكيد الذي لا ينفذ إليه تردد أو انثناء و هو أن ينزل آدم و زوجه إلى هذه المعمورة لتكون لهما عليها الذرية المنتشرة في بقاع الدنيا ،و ليكون الصراع و الجد و العناء .
و قوله: ( جميعا ) منصوب على الحال .و الجملة الفعلية بعد القول في محل نصب مفعول به .
و قوله: ( فإما يأتينكم مني هدى ) أصل ( فإما ): فإن ما ،أدغمت إن الشرطية بما الزائدة ،و الجملة الفعلية بعدها للشرط .و الهدى ما يهتدي به الإنسان إلى سواء السبيل ،يستوي في ذلك كتاب الله أو الرسل أو الملائكة ،فكل أولئك دعاة إلى الله يكشفون للبشرية عن دروب التوفيق و الخير ،و يحذرونها من عواقب الضلالة و التعثر .
و قوله: ( هدى ) فاعل لفعل الشرط قبله .و جواب الشرط مقترن بالفاء و هو قوله: ( فمن تبع هداي ) .و ذلك شرط آخر يتضمن جملة الشرط ( تبع هداي ) و يتضمن أيضا جوابه ( فلا خوف عليهم ) أي أن جملة الشرط الثاني و جوابه جواب للشرط الأول .
هؤلاء المؤمنون الذين اتبعوا الهدى من ربهم هم الفائزون في الدارين .و أصدق ما ورد فيهم هذه المقالة الوجيزة العذبة و هي جواب الشرط الثاني ( فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون ) و خير ما قيل فيها من تفسير أن هؤلاء المؤمنين لا يخافون يوم القيامة يوم يخاف الناس و يوم ترتجف قلوبهم و أبدانهم ،و ذلك لهول الموقف و جلال الخطب المروع .و كذلك فإنهم لا يحزنون كما يحزن الناس لدى مفارقتهم للدنيا حيث الصحب و الخلان و حيث العشيرة و الأهل و المال و الولد .و تلك أمور تشد إليها الإنسان شدا ليظل بها لصيقا من حيث حسه و عاطفته و هواه .فهو إذا ما أحس بفراق ذلك كله دهمته غمرة من الحزن المؤثر ،لكن الذين هداهم الله لا يحزنون مثل ما يحزن هؤلاء ،ليقينهم أنهمقادمون على خير من ذلك كله .فهم قادمون على رضوان من الله يملأ نفوسهم و أفئدتهم بالسكينة و الرضى و الحبور ،ثم ما يتلو ذلك من عطاء الله الواسع مما لا عين رأت و أذن سمعت و لا طرأت على قلب بشر ،جعلنا الله في زمتهم .