{ذلك مبلغهم من العلم} والمشار إليه كونهم متولين معرضين ،لا يريدون إلا الحياة الدنيا ،يعني ذلك منتهى بلوغ علمهم ،لأن علمهم قاصر ،لا ينظرون إلى المستقبل ،ولا يصدقون بخبر ،فتجد أكبر همهم أن يصلحوا حالهم في الدنيا معرضين عن حالهم في الآخرة ،وفي الدعاء المأثور: «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ،ولا مبلغ علمنا »،ثم قال - عز وجل -:{إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى} هو أعلم - عز وجل - بمن ضل عن سبيله فعلاً ،ومن سيضل ،لأنه عالم بما كان وبما يكون ،فقوله:{بمن ضل} لا تعني أنه لا يعلم إلا من حصل منه الضلال بالفعل بل هو يعلم من حصل منه الضلال بالفعل ،ومن سيحصل منه ،لأن الله - سبحانه وتعالى - موصوف بالعلم التام في الحاضر والمستقبل والماضي ،وقوله:{وهو أعلم بمن اهتدى} ضد الضلال ،فالناس بين فئتين: إما مهتدٍ وإما ضال ،وإنما بيَّن الله سبحانه وتعالى أنه أعلم بمن ضل عن سبيله ،وبمن اهتدى ؛لفائدتين:
الفائدة الأولى: أن نعلم أن ما وقع من الضلال والهداية فهو صادر عن علم الله وبإرادته ،إذ لا يمكن أن يوجد في خلقه خلاف معلومه ،ولو قدر أن يوجد في خلقه خلاف معلومه لكان الله جاهلاً - وحاشاه من ذلك - .
الفائدة الثانية: التحذير من الضلال ،والترغيب في الاهتداء ،مادام الإنسان يعلم أن أي عمل صدر منه فعلمه عند الله ،فإنه سوف يخشى أن يعصي الله ،وسوف يسعى أن يرضي الله - عز وجل - .
كأنه يقول: إن ضللت فالله أعلم بك ،وإن اهتديت فالله أعلم بك ،فيجزي الذين أساءوا بما عملوا ،ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى .