وجملة{ ذلك مبلغهم من العلم} اعتراض وهو استئناف بياني بيِّن به سبب جهلهم بوجود الحياة الآخرة لأنه لغرابته مما يسأل عنه السائل وفيه تحقير لهم وازدراء بهم بقصور معلوماتهم .
وهذا الاستئناف وقع معترضاً بين الجمل وعلتها في قوله:{ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} الآية .
وأعني حاصل قوله:{ ولم يرد إلا الحياة الدنيا} .
وقوله:{ ذلك} إشارة إلى المذكور في الكلام السابق من قوله:{ ولم يرد إلا الحياة الدنيا} استعير للشيء الذي لم يعلموه اسم الحد الذي يبلغ إليه السائر فلا يعلم ما بعده من البلاد .
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} .
تعليل لجملة{ فأعرض عن من تولى} وهو تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم والخبر مستعمل في معنى أنه متولي حسابهم وجزائهم على طريقة الكناية ،وفيه وعيد للضالّين .والتوكيد المفاد ب{ إنَّ} وبضمير الفصل راجع إلى المعنى الكنائي ،وأما كونه تعالى أعلم بذلك فلا مقتضى لتأكيدها لما كان المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى: هو أعلم منك بحالهم .
وضمير الفصل مفيد القصر وهو قصر حقيقي .والمعنى: أنت لا تعلم دخائلهم فلا تتحسر عليهم .
وجملة{ وهو أعلم بمن اهتدى} تتميم ،وفيه وعد للمؤمنين وبشارة للنبي صلى الله عليه وسلم والباء في ب{ من ضل} وفي ب{ من اهتدى} لتعدية صفتي{ أعلم} وهي للملابسة ،أي هو أشد علماً ملابساً لمن ضل عن سبيله ،أي ملابساً لحال ضلاله ،وتقديم ذكر{ من ضل} على ذكر{ من اهتدى} لأن الضالّين أهمّ في هذا المقام ،وأما ذكر المهتدين فتتميمِ .