الخزائن: واحدها خِزانة ،ما يُخزن فيه ما يراد حفظه ومنع التصرف فيه .
الغيب: ما غيِّب علمه عن الناس .
الأعمى والبصير: المراد به هنا الضال والمهتدي .
كان الكلام في الآيات السالفة في بيان أركان الدين وأصول العقائد ووظيفة الرسل ،والجزاء على الأعمال يوم الحساب ،وهنا يبين لنا وظيفة الرسل العامة .قل أيها الرسول لهؤلاء الكفار المعاندين: أنا لا أقول لكم عندي خزائن الله فأملك التصرّف في أرزاق العباد ،وشئون المخلوقات .كلا ،إن التصرف المطلق من شأن الله وحده .وليس موضوع الرسالة أن يكون الرسول قادراً على ما لا يقدر عليه البشر ،كتفجير الينابيع والأنهار في مكة ،وإيجاد الجنات والبساتين ،والإتيان بالله والملائكة وغير ذلك من التعجيز .وكان المشركون قد جعلوا ذلك شرْطاً للإيمان بالرسول .
كذلك لا أدّعي علم الغيب الذي لم يطلعني الله عليه ،ولا أقول إني ملَك أستطيع الصعود إلى السماء .أما قوله تعالى{عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} فإن إظهار شيء خاص من عالم الغيب على يدي الرسل لهو من الأمور التي يخصّ بها الرسل ليؤيد بذلك دعوتَهم ورسالتهم .وهو لا يتعدّى إلى حمل أقوال الرسل على المستقبل ،فهم لا يعلمون إلا ما علمهم الله به .
{إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ} .
إنما أنا بشر أتبع ما يوحيه الله تعالى إلي ،فأمضي لوحيه واعمل بأمره .
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير ...} ،هنا وبخهم الله تعالى على ضلالهم ،فأمر رسوله أن يسألهم ما إذا كانوا يعتقدون أن الضال والمهتدي ليسا سواء فقال: قل هل أعمى البصيرة الضال عن الصراط المستقيم ،يَعْدِل ذا البصيرة المهتدي إليه ؟هل يليق بكم أن تعرضوا عن الهدى الذي أسوقه إليكم بعد هذا كله !!تعقلوا أيها القوم ،ما في هذا القرآن من ضروب الهداية والعرفان .