مواطن: جمعَ موطن وهو مقر الإنسان ومحل إقامته .والمراد هنا الأماكن التي نصروا فيها .
حُنين: واد بين مكة والطائف على ثلاثة أميال من الطائف .
لم تغن عنكم شيئا: لم تنفع ولم تدفع عنكم شيئا .
رحبت: اتسعت .
مدبرين: هاربين .
لقد نصركم اللهُ أيها المؤمنون ،على أعدائكم في كثيرٍ من المواقع بقوة إيمانكم ،وخالصِ نيّاتكم ،لا بكثرةِ عَددكم ولا بقُوتّكم .
وحين غرّتكُم كثرتكم في معركة حُنين ،ترككم اللهُ لأنفسِكم أولَ الأمر ،فلم تنفعْكم كثرتكم ،شيئا ،ولشدّة الخوف والفزَع ضاقت عليكم الأرضُ على اتّساعها ،فلم تجدوا وسيلةً للنجاة إلا الهربَ والفرار من العدوّ ،فولَّيتم منهزمين ،وتركتم رسول الله في قلة من المؤمنين .
وقد كانت وقعة حُنين بعد فتح مكة في شوّال سنة ثمانٍ من الهجرة .فبعد أن فرغ النبيّ من فتحِ مكة ،بلغه أن هوازن جمعوا له ليقاتلوه ،كما انضمّ إليهم بنو ثَقيف وبنو جُشم ،وبنو سعد بن بكر ،وبعضُ بني هلال ،وأناس من بني عمرو بن عامر ،وكان أميرهم مالك بن عوف النضري .وكان عدد جيشِ المسلمين عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب ،مع ألفين من الذين أسلموا من أهل مكة .وكان عدد هوازن ومن معها أربعةَ آلاف مقاتل ،ومعهم نساؤهم وولدانهم وجميع ما يملكون من شاءٍ ونعم .
خرج الرسول الكريم بهذا الجيشِ في غَلَس الصبح ،وانحدروا بوادي حُنين .وكان جيش العدو قد سبقهم إلى احتلال مَضايِقه ،وكَمَن لهم فيها .وما إن وصل المسلمون قلب الوادي ،حتى أمطرهم العدو بوابلٍ من سهامه ،وأصلتوا السيوف ،وحملوا حَمْلَة رجلٍ واحد .فكانت مفاجأة أذهلت المسلمين حتى فرّ معظمهم .وثبت رسول الله وهو راكب بغلته الشهباء وعمُّه العباس آخذٌ بركابها الأيمن ،وأبو سفيان بن الحارث ابنُ عمّه آخذٌ بركابها الأيسر ،ويحيط به أبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والفضل بن العباس ،وأيمن بن أم أيمن ،ونوفل بن الحارث ،والمغيرة بن الحارث ،وربيعة بن الحارث ..وكلّهم أبناء عم الرسول ،وأسامةُ بن زيد وغيرهم نحو مائة رجل ،والنبيّ عليه الصلاة والسلام يدعو المسلمين إلى الرجوع ويقول: ( إليّ يا عبادّ الله ،إليّ أنا رسولُ الله ) ويقول: ( أنا النبيّ لا كذِبْ ،أنا ابنُ عبد المطّلب ) ثم أمر العباسَ بن عبد المطلب ،وكان جهير الصوت ،أن يناديَ بأعلى صوته: يا أصحابَ الشجَرة ،يعني شجرةَ بَيْعة الرّضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها .فجعل العباسُ يناديهم ،وتارة يقول يا أصحاب سورة البقرة .فصار الناس يقولون لبّيك لبيك ،وانعطفوا وتراجعواإلى رسول الله .
ولما تكامل جمْعُهم شدّوا على الكفار بقوة وصدق وحملوا عليهم فانهزم المشركون .واتّبعهم المسلمون يقتُلون فيهم ويأسرون ،وغنموا جميع ما معهم من نَعَمٍ ونساءٍ وأطفال .
وهكذا التقى الفريقان: المؤمنون بكثرتِهم وقد أعجبتْهم ،والمشركون بقلّتهم العنيفة ،وكان الجولةُ في بدء المعركة للمشرِكين ،لغُرور المسلمين وعدم احتياطهم .ولكن المعركة انتهت بنصر المؤمنين .والعبرة في هذه الغزوة أن الكثرة العددية ليست عاملَ النصر ،وإنما هو القوةُ المعنوية ،والإيمان بالله والصدق والإخلاصُ في العمل .