{ويَقُولُونَ لَوْلا ( 1 ) أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ 20} [ 20] .
( 1 ) لولا: هنا بمعنى هلا وينطوي فيها معنى التحدي .
وفي الآية حكاية لتحدي الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم باستنزال آية من ربه تصديقا وتأييدا لدعواه ،وأمر رباني له بالرد عليهم بأن الغيب والمستقبل بيد الله وأمره بأن يطلب منهم الانتظار ويعلنهم أنه معهم من المنتظرين .
ولا يروي المفسرون رواية خاصة في نزول الآية وهي معطوفة على ما سبقها حيث يتبادر أنها استمرار في السياق لتحكي قولا آخر من أقوال الجاحدين وتعجيزهم مع الرد عليهم .
ومثل هذا الطلب تكررت حكايته عنهم كثيرا بصيغ متنوعة مرّ بعضها في السور التي فسرناها ،وشرحنا ما يتبادر لنا من حكمة الله في عدم تلبيته طلبهم وتحديهم .
والمتبادر أن الكفار كانوا يرون في مثل هذا التحدي منفذا للتشفي والتعجيز ،ومخرجا من المأزق الحرج الذي يضعهم فيه النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي يتلوه عليهم ويفحمهم ويلزمهم به ،مقابلة على ذلك بالمثل ،ولعل عدم استجابة الله عز وجل لتحديهم وإجابة القرآن عليه بما تكرر وروده في كل موقف من مواقف تحديهم على ما مرّ شرحه في تلك السورة والسور الأخرى وبخاصة سورة الإسراء السابقة في النزول لسورة يونس مما كان يغريهم بتكرار التحدي .
وفي هذا صورة من صور السيرة النبوية في العهد المكي فيها دلالة على ما كان المشركون عليه من قوة الخصومة والجدل والعناد .وهو ما وصفوا به بصراحة في آيات أخرى منها آيات سورة الزخرف هذه:{ولَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ 57 وقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُو مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلاّ جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 58} .
والرد الذي احتوته الآية ينطوي على وعيد ،ويتجلى فيه كذلك عظمة تصميم النبي صلى الله عليه وسلم وثبات قلبه وعدم اعتبار التحدي مخرجا له ؛حيث يؤمر أن يعلن أن الأمر بيد الله حاضره وغائبه ،وليس هو إلاّ رسول يقوم بما يؤمر به ويبلغ ما يوحى إليه وينتظر تصريف الله انتظار الواثق المطمئن ويطلب منهم الانتظار معه طلبا منطويا على الإنذار والتهديد .