قوله تعالى:{ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين} المقصود أهل مكة ؛إذ قالوا: هلا أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم{آية} أي معجزة .وذلك كأن يحول لهم الصفا ذهبا ،أو يزيل عنهم جبال مكة ليجعل مكانها بساتين ،أو يكون له بيت من زخرف ،أو يحيي لهم من مات من آبائهم ،أو نحو ذلك مما سألوه النبي صلى الله عليه وسلم إياه .وليس ذلك إلا من باب التكذيب والجحود والمعاندة واستمراء الباطل .ولو كان هؤلاء المشركون الضالون أسوياء كراما ،أو كانوا أولي قلوب مبرأة غير غلف ،أو أولي بصائر سليمة ومستقيمة ،لاكتفوا بمعجزة القرآن ؛فهي المعجزة الخالدة التالدة التي تفوق كل صور المعجزات ،ولئن كان ما طلبوه إنما يدور في فلك الحسن المنظور أو المادة الملموسة مما يزول أو يفني بمرور الزمن الذي وقت فيه كالذي أوتيه النبيون السابقون ؛فإن معجزة القرآن باقية بقاء الدهر والزمان .بل إن الدهر والزمان يفنيان أو ينقضيان ،ومعجزة القرآن لا تفنى ولا تنقضي ؛لأنها بنيت على الجوهر بما يعنيه ذلك من حقائق كونية وعلوم الدين والدنيا .لا جرم أن أسس وقواعد ثوابت لا تزول ولا تتبدد .
قوله:{فقل إنما الغيب لله} أي إنزال مثل هذه الآيات غيب والله وحده هو الذي يختص بعلم الغيب ؛فهو أعلم بالصارف عن إنزال ما سألوه من الآيات وما في ذلك من حكمة هو أعلم بها{فانتظروا إني معكم من المنتظرين} أي انتظروا أيها المشركون المعاندون ما سيقضيه الله بيننا وبينكم وهو تعجيل العقاب للمبطل منا وإظهار المحق .