{ ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين 20}
أرادوا إعنات الرسول صلى الله عليه وسلم مع قيام الحجة ووضوح الدليل وقد لبث فيهم صلى الله عليه وسلم عمرا طويلا ، أمينا صادقا عاقلا رزينا ، حكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون ، ومع هذا طلبوا آية أخرى غير القرآن .
وإذا ذكر لهم قصص أمم أهلكها الله إذ كفروا وبغوا على أنبيائهم تحدوا الرسول وطلبوا آية تهلكهم كما هلك عاد وثمود وقوم تبع وقوم نوح .
{ ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه} – آية حسية أو آية مهلكة- التعبير بالمضارع يفيد تكرارهم ذلك القول آنا بعد آن ، وهو الموقف السلبي لمن يريد جعل الوقت في صالحه فالمحاورة مستمرة وطلب الدليل بعد الدليل يحسبون أنهم بذلك قد فازوا بالوقت .
{ لولا} بمعنى "هلا"للتحضيض ، كأن الحجة التي ساقها النبي غير كافية وكأنهم يتحدونه صلى الله عليه وسلم أن ينزل بهم مثل ما نزل بغيرهم ممن قص قصصهم ، فالمطلوب إذن آية حسية تقنعهم- في زعمهم- أو تهلكهم .
ومعنى إنزالها –إتيانها- تشبيها بالقرآن إذ نزل على قلبه الأمين ، ولكن المعجزات الحسية قد جاءت للأنبياء السابقين وكذبوا ، فما الجدوى من التغيير ؟ يقول تعالى:{ وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون . . . .59}( الإسراء ) .
{ إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون 96 ولو جاءتهم كل آية . . . . 97}( يونس ) .
{ ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين7}( الأنعام ) .
إنهم كانوا ليستعجلون العذاب الذي نزل بالمكذبين قبلهم مبالغة في التحدي والإعنات ، بل طلبوا الآية المهلكة .
يقول تعالى:{ ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب 6}( الرعد ) .
وقد أجابهم صلى الله عليه وسلم بأمر ربه:{ فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين} .
"الفاء"تدل على أن ما بعدها مترتب على قولهم الذي قالوه:{ فقل إنما الغيب} أي إن ما تطلبون معجزة كان أم هلاكا هو أمر يغيب عني ومفوض لربكم؛ ولذلك جاءت العبارة القرآنية مصدرة ب"إنما"الدالة على القصر ، وفي هذا إشعار بأمرين:
أولهما:أن المعجزة الكبرى ( القرآن ) هي من عند الله اختارها لكم في غيبه المكنون ، وأنه أمهلكم لا ينزل عليكم الآيات المهلكة لحكمة يعلمها ؛ لأن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم تخاطب الأجيال كلها ، وعسى أن يخرج من أصلابكم من يعبد الله .
ثانيهما:أن محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، وهو بشر مثلكم بعث فيكم رسولا منكم ؛ ولذا يقول سبحانه:{ فانتظروا إني معكم من المنتظرين} .
"الفاء"للدلالة على أن ما بعدها مترتب على ما قبلها ؛ لأنه إذا كان علم الغيب عند الله تعالى وحده فإنه صلى الله عليه وسلم عليه انتظار ما غيب عنهم .
كما أن قوله هذا سبحانه وتعالى يومئ إلى المساواة بينهم وبين رسوله صلى الله عليه وسلم في علم الغيب ، وأكد هذه المعية إدماجه صلى الله عليه وسلم في المنتظرين وأنه معهم .
ليس في ذلك تصغير لمقام النبوة ، ولكنه بيان لمنزلة النبي البشر ، وتأكيد بأنه يتكلم عن الله سبحانه .