الناس أمة واحدة
وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون 19 ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين 20 وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون 21 هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجينا من هذه لنكونن من الشاكرين22 فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون 23
ذكر سبحانه الفطرة الإنسانية واتحاد الناس فيها ، كما أن انبثاق الاختلاف كان من أصل الوحدة في التكوين ،{ وما كان الناس إلا أمة واحدة} .
{ كان} هنا بمعنى "وجد"أي ما وجد الناس إلا أمة واحدة ، أي واحدة في كل منازعها وغرائزها وكيانها الإنساني ، فحب النفس واحد وحب السلطان والغلب وهذه المنازع في النفوس من شأنها أن تتغالب ، وإذا تغالبت بين الآحاد اختلفت فكان الاختلاف في أصل الوحدة .
إن الوحدة في الطبائع أوجدت الاختلاف في المنازع ؛ ولذلك ترتب الاختلاف على أصل الوحدة .
فوحدة الإنسانية ليست كوحدة الملائكة- وحدة الطاعة- لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وإنما وحدة الإنسانية هي وحدة الطبائع التي يمتد بعضها إلى أصلها الحيواني ، ولذا رتب الله سبحانه وتعالى الاختلاف على الوحدة{ فاخلفوا} ( الفاء ) عاطفة لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، فالغرائز تتناحر فمن يغلب عقله على هواه يهتدي ، ومن غلب لذاته عبدا لشهواته فيضل ويشقى ، فمن الناس من يغالب للشر ويقاوم الخير فيفتري ، ومنهم من يناصر الحق ويدفع الاعتداء فيهتدي .
إن الله تعالى هو الذي يحكم وهو خير الفاصلين ، ولكنه أخر قضاءه الذي يقضي به في الدنيا ، إلا إذا طم الشر وبغي وخشي على الحق من سطوته فيمنعه كما حدث لقوم نوح وعاد وثمود ، وقوم لوط ؛ ولذا قال سبحانه:{ ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون} .
{ لولا} حرف امتناع لوجود ، أي امتنع قضاء الله ، أي حكمه فيما بينهم{ لولا كلمة سبقت} ، وكلمة الله السابقة وهي التأجيل ليوم الحساب وتركهم في الدنيا- دار البلاء والاختبار- ليصل كل إلى أقصى ما تتأدى به نزوعه ، فيكون حكمه بعد الأعمال كلها ، ويفتح الله باب الرجوع إليه سبحانه فإنه تواب رحيم وما داموا في الدنيا فباب التوبة مفتوح إنه هو التواب الرحيم .
وأحد منازع الشر عند الضالين أنهم لا يؤمنون بالحق إذ جاءهم ؛ ولذلك لا يؤمنون بإعجاز القرآن وإن بدا الحق فيه ، ولما عجزوا إذ تحداهم الله أن يأتوا بسورة من مثله طلب آية أخرى غيره