المجتمع البشري الأولي
{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ} فقد خلقهم الله على الفطرة الصافية النقيّة التي تقودهم إلى التوحيد ،وتوحّد لهم الطريق ،وتبعدهم عن خط الانحراف ،إذا انطلقت في خطها المستقيم بعيداً عن التلوّث والتشويه الذي يبعدها عن وضوح الرؤية للأشياء ،ولكنهم أخذوا من دنياهم شيئاً من هنا وشيئاً من هناك ،في ما يتصل بالأطماع والشهوات ،وما يرتبط بالأهواء والعواطف ،فاختلفوا في أفكارهم وفي مواقفهم ،فضلوا وانحرفوا عن سبيل الله ،وابتعدوا عن التوحيد ،فعبدوا الأصنام ،فاستحقوا بذلك عقاب الله ،{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} بسبب ما أخذ على نفسه أن لا يعجّل عليهم العذاب في الدنيا بل يؤجّلهم إلى أجل هو بالغه{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} بالكلمة الحاسمة التي تمثل الموقف الحق ،الذي يتبين فيه الحق من الباطل ،فينجو أهل الحق ،ويهلك أهل الباطل ،ولكن الله تركهم لأنفسهم ،ولطبيعة الوضع الطبيعيّ الذي يعيشون فيه مشاكلهم وخلافاتهم ويواجهون مسائل الصراع بينهم من دون حسمٍ وقضاءٍ ،انطلاقاً من حكمته التي يتصرف من خلالها في تدبير الأشياء .