{أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ( 30 ) وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا 1 لعلهم يهتدون ( 31 ) وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ( 32 ) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ( 33 )} [ 30-33] .
تعددت الأقوال التي يرويها المفسرون عن أهل التأويل من التابعين وتابعيهم في مدى الرتق والفتق في الآية الأولى{[1358]} .منها أن الرتق بمعنى الالتصاق والفتق بمعنى فصل الملصق ،وأن السماوات والأرض كانت ملتصقة أو كتلة واحدة ففصلهما الله عن بعضهما وجعل بينهما الهواء .ومنها أن الرتق بمعنى الجفاف وأن السماء كانت لا تمطر والأرض لا تنبت ففتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات واستأنس أصحاب هذا القول بجملة{وجعلنا من الماء كل شيء حي} التي جاءت في نفس الآية .وجمهورهم على أن كلمة{سقفا} تعني كون السماء فوق الأرض بمثابة السقف .أما معنى{محفوظا} فقد روي أنها بمعنى محروس من الشياطين مما ذكر بصراحة في آيات أخرى ورد بعضها في سور سبق تفسيرها مثل سورتي الحجر والصافات .كما روي أنها بمعنى المحفوظ من السقوط .
ورووا في صدد الفلك أن معنى الكلمة في الأصل الشكل الدائري وأنها تعني المدار السماوي الذي تجري فيه الشمس والقمر والنجوم ،وهو بين السماء والأرض كما قيل: إنها تعني البروج التي تجري فيها الكواكب السماوية ،وقالوا في معنى{أن تميد بهم} لئلا تنكفئ الأرض أو تنكفئ الجبال فجعلها الله رواسي ثابتة أو مثبتة .
ومهما يكن من أمر فالآيات متصلة بسابقاتها سياقا وموضوعا كما هو المتبادر ،وقد تضمنت تنديدا بالكفار ؛لأنهم يغفلون عن مشاهد قدرة الله وعظمته ونواميسه في السماء والأرض وما بينهما وفي الجبال والشمس والقمر والليل والنهار الدالة على استحقاقه وحده للعبادة والاتجاه ،وينصرفون عن استجابة الدعوة إليه ويضلون في تيه العقائد الباطلة .
وقد تكرر ما في هذه الآيات في سور أخرى مر تفسيرها ،وتكرارها يفيد أن المناسبات التي تقيضها كانت تتكرر .وهي تكرر أو تجدد مواقف الدعوة النبوية مع الناس والإيمان بما احتوته الآيات من تقريرات غيبية تكوينية واجب .ومع ذلك فإن جملة{أو لم ير الذين كفروا} التي بدئت بها الآيات قد تفيد أن السامعين ومنهم الكفار كانوا يشاهدون ويحسون ويتصورون الشؤون التي احتوتها وفاق ما جاء فيها ،فشاءت حكمة التنزيل أن تذكرهم بما يعرفون ويعترفون من مظاهر قدرة الله وبديع نواميس كونه في مقام التنديد .
ونقول هنا ما قلناه في المناسبات المماثلة: إن الآيات يجب أن تبقى في نطاقها التذكيري والتنديدي دون تمحّل لاستنباط القواعد الفنية من بعضها ودون توهم في تناقض بعضها مع ما عرف من حقائق هذه القواعد ،فإن هذا وذاك لا يتصل بالهدف القرآني .