قوله تعالى:{أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ( 30 ) وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ( 31 ) وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ( 32 ) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ( 33 )} .
ذلك تنبيه من الله عظيم قدرته المطلقة ،وسلطانه البالغ ،وعلمه المحيط ؛ليعلم الناس أنه ليس من إله عظيم معبود سوى الله الخالق العليم .فقد بيّن لنا هنا في قرآنه الحكيم ،حقيقة علمية ظاهرة ،سبق القرآن بها العلوم والعقول والنظريات في الطبيعة والفلك ؛إذ يقول: ( أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ) ( أولم ) ،الواو للعطف .و ( السماوات ) ،جمع أريد به الواحد .فالسماوات والأرض جنسان كانا ( رتقا ) أي مرتوقين .بمعنى مضمومين ملتحمين فكانا شيئا واحدا متصلا بعضه ببعض .
قوله: ( ففتقناهما ) من الفتق وهو الشق وهو ضد الرتق{[3029]} ؛أي شققناهما وفصلنا بينهما ،لنجعل السماوات سبعا طباقا .ولنجعل الأرضين سبعا كذلك .وفي خلال الجنسين وبينهما من عظيم الخلائق وعجائب الأشياء والكائنات ما لا يعلم عدته ومداه إلا الله .
لقد كانت السماوات والأرض متلاصقتين ؛إذ كان الجميع متلاصقا متراكما يتصل بعضه ببعض حتى شاء الله أن يفصل بين الصنفين لتكون السماوات بأفلاكها ونظامها المنسجم وما فيها من الكواكب والنجوم والأجرام ومختلف الكائنات ما يدير الرأس عجبا .وكذا الأرض جعلها الله على هيئتها الراهنة من الكيفية والصلوح للحياة والقرار على متنها إلى أن يأذن الله بالفناء والنهاية .
وذلك الذي قد توصل إليه علم الطبيعة والفلك في هذه المسألة الكونية .وجملة ذلك: أن هذا الكون الهائل لم يكن في زمانه الموغل في القدم على هيئته الراهنة من الانفصال والتكامل والاتساق .وإنما كان الكون كله سديما واحدا متصلا وملتحما بعضه ببعض .فلا جرم أن تكون هذه ظاهرة من ظواهر الإعجاز في القرآن .قوله: ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) أي خلق الله كل ذي حياة من الماء .ولفظ شيء بإضافته للماء ،من العام المخصوص ؛فقد خرج بذلك منه الملائكة والجن وكل ذي غير حياة نامية .
قوله: ( أفلا يؤمنون ) استفهام إنكار يفيد التعجب من فرط الهوان الذي يغشى عقول السفهاء والضالين من الناس ،المعرضين عن الدلائل والآيات والنذُر ،والذين لا يتدبرون آيات الله في الكون والطبيعة الدالة على جلال الله ،وعلى أن هذا القرآن حق وصدق .والمعنى المراد: أفلا يزدجر هؤلاء المشركون والعصاة الضالون عن الكفر والجحود فيفيئوا إلى التصديق والطاعة والإيمان بما أنزل الله .