{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون 8 والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين 9} [ 8-9] .
وفي هاتين الآيتين: إشارة إلى ما أوجب الله على الأبناء من إحسان معاملتهم مع والديهم مع استثناء إطاعتهما في الشرك بالله إذا أمرا به أولادهما مهما جاهداهم وألحّا عليهم في ذلك ،وبيان كون الله هو مرجع الناس جميعا فيفصل بينهم في أعمالهم .وتوكيد كون الله سيدخل المؤمنين الذي يعملون الصالحات في عداد الصالحين من عباده .
ولقد ورد في سورة لقمان مثل الوصية التي احتوتها الآية الأولى كما ورد شيء يقارب في سورة الأحقاف .وقد قال المفسرون{[1594]}: إن هاتين الآيتين قد نزلتا أيضا في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأمه كما قالوا هذا في سياق آيات سورة لقمان بل وفي سياق آيات سورة الأحقاف على ما ذكرناه في سياق السورتين .ومنهم من ذكر أنهما نزلتا في مسلم آخر عصى وهاجر إلى المدينة فأخذ أبواه يلحّان عليه ليرتد عن الإسلام ويعود إليهما .ولقد سلكت الآيتان في سلك رواية مدنية الآيات في أول السورة إلى آخر الآية الحادية عشر ،ولعل الرواية الأخيرة هي سبب ذلك .
تعليق على آية
{ووصينا الإنسان بوالديه حسنا} الخ .
والآية التالية لها
وروح الآيتين ونظمهما ومضمونهما من جهة وورود ما يماثلهما في آيات لا خلاف في مكيتها من جهة أخرى يجعلاننا نرى فيها صورة من صور العهد المكيّ أكثر من العهد المدنيّ ،ونشك في رواية مدنيتهما كما شككنا في رواية مدنية الآيات السبع السابقة .وليس من شأن رواية كونهما نزلتا في مسلم مهاجر إلى المدينة ومحاولة أبويه حمله على الارتداد والعودة إليهما في مكة أن تضعف من شكنا لأنها غير وثيقة الإسناد وغير معقولة الحدوث ؛ولأن طابع الآيتين مماثل لطابع الآيات المكية المماثلة ،ومضمونها متسق مع ظروف العهد المكي أكثر .
ولقد آمن عدد كبير من شباب قريش وشاباتهم رغم بقاء آبائهم على الشرك والجحود ومناوأتهم الشديدة للنبي ودعوته .وكان بعض هؤلاء الآباء من الزعماء البارزين ،وقد اضطر أكثر هؤلاء الشباب المسلمين إلى الهجرة إلى الحبشة هربا من ضغط آبائهم واضطهادهم{[1595]} .فالمتبادر أن حوادث ضغط الآباء على الأبناء قد تكررت وتعددت فاقتضت حكمة التنزيل تكرار الأمر والتنبيه .
والصلة بين الآيتين والآيات التي قبلهما وبعدهما لا تبدو واضحة .غير أننا نستبعد – بناء على ما لمسناه من انسجام الآيات المكية وتسلسل اتصالها ببعضها - أن لا يكون للآيتين صلة ما بسابقهما أو لاحقهما ،وأن يكونا قد أقحمتا في موضعهما إقحاما .ومما خطر على بالنا أن تكون الفتنة التي ذكرت في الآيات السابقة متصلة بموقف من مواقف الضغط من الآباء على الأبناء ،أو أن يكون هذا من صورها ومشاهدها ،فهو بدون ريب موقف محرج يمكن أن يكون فيه امتحان للمؤمن في إيمانه ليتميز الصادق من الكاذب فيه .وبهذا الذي نرجو إن شاء الله أن يكون وجيها تتصل الآيتان بالآيات السابقة .