قد تكون مشكلة بعض المؤمنين ،انحراف والديه بالكفر والشرك والضلال ،فيضغطان عليه من خلال الناحية العاطفية في علاقته بهما ،لينحرف من حيث انحرفا ،وليكفر من حيث كفرا ،فيتحرّج من ذلك عندما يقف بين عاطفته التي تضغط على قلبه لينفتح على والديه في ما يحبانه منه ،وبين إيمانه الذي يضغط على إرادته لتؤكد الموقف في الانفتاح على الله في ما يحبه منه من الثبات على الاستقامة .وقد أراد الله أن يبين للإنسان المؤمن أن العاطفة التي تشدّه إلى والديه ،في ما أوصاه الله به من ذلك ،وفي ما يتحسسه مما قدّماه إليه من الجميل ،لا تفرض عليه الانشداد إليهما في مقام الطاعة ،بل تفرض عليه التعاطف معهما في مقام الإحسان ،أمّا الطاعة فهي لله ،فإذا أمراه بما يحبه الله ،فعليه أن يطيعهما في مواقع طاعة الله ،وإذا أمراه بغير ذلك ،فعليه أن يطيع الله ،ويعصيهما في ذلك .
الوصية بالإحسان للوالدين
{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} أي توصيةً حسنةً أو ذات حسن ،أي أمرناه أن يحسن إليهما .وقد تحدثنا في هذا التفسير عن الخط القرآني في مسألة الوالدين ،الذي جعل المسألة في دائرة الإحسان في مقابل العقوق ،ولم يجعلها في دائرة الطاعة ،لأن طبيعة العنصر الذي يربط الولد بالوالدين ،لا يمنح الوالدين هذا الحق ،لأنه لا يرتبط بالجانب العاطفي من شخصيته ،بل يرتبط بالجانب الواقعي في إدراك المصلحة والمفسدة في الأشياء ،مما قد لا يدركه الوالدان في أكثر الحالات ..ولهذا فإن الطاعة إذا التقت بالإحسان ،بحيث كان تركها عقوقاً من دون أن يسيء ذلك إلى مبادىء الود ومصالحه الحقيقية ،فلا بد للإنسان من العمل على أساسها وإلا فلا .
حدود طاعة الوالدين
{وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي إذا حاولا ممارسة كل صنوف الضغوط النفسية والمادية عليك لحملك على الخروج من الإيمان إلى الكفر{فَلاَ تُطِعْهُمَآ} لأن الطاعة في أيّ موقع من مواقعها ،لا بد من إخضاعها للقناعة بطبيعة الفعل أو الموقف من حيث الإدراك الواعي للمعاني الحقيقية في ذاتهما ،التي تفرض على الإنسان القيام بهما ،أو الإيمان بالجهة الآمرة في ما تملكه من حق الطاعة عليه في معنى الإيمان ،كما في طاعة الله التي تنطلق من موقع عبودية الإنسان له ،وهذا مما لا يتوفر في مسألة الوالدين اللذين لا يملكان هذا الحق ،لأن الولد ليس عبداً لوالديه .
وقد يكون التنصيص على الشرك ،مجرد نموذج لكل المواقف التي تتعارض مع أمر الله ونهيه ،في ما يريدان منه الانحراف عنه ،أو التي تتعارض مع ما يحبه الله ويرضاه ،حتى في الأمور المستحبة عندما يرفضان منه القيام بها ،انطلاقاً من بعض العُقَد النفسية التي يحملانها ضد ذلك كله .
{إِليَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في خط الشرك ،وفي خط التوحيد ،في ما يفرضه الخط الأول من عذاب النار وغضب الله ،وفي ما يفرضه الخط الثاني من نعيم الجنة ورضوان الله ،ولذلك فلا بد لكم من التفكير في الموضوع من وحي الشعور بالمسؤولية ،بعيداً عن التأثر بالانفعالات الذاتية .