{ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ( 20 ) وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ( 21 )} [ 20 -21] .
جاءت الآيتان معقبتين على الآيات السابقة ؛حيث قررتا أن إبليس قد توسم فيهم قابلية الانحراف فوسوس لهم فتحقق ظنه وتوسمه فيهم فاتبعوه باستثناء فريق منهم كانوا مؤمنين فلم يؤثر عليهم .وأن إبليس لم يكن في الحقيقة له عليهم أي سلطان نافذ ،وإنما كان امتحانا ربانيا ليظهر من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك .وأن الله رقيب على كل شيء من أعمال الناس .
وقد قال بعض المفسرين{[1729]}: إن الضمير في ( عليهم ) عائد إلى أهل سبأ .ومنهم من قال إنه عائد إلى الناس إطلاقا ،ونحن نرجح أنه عائد إلى كفار مكة بقرينة الآيات التي جاءت بعدها وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها بتوجيه الخطاب إلى كفار مكة ومشركيهم متحديا منددا ،وعلى هذا فإن الآيتين تكونان بمثابة انتقال من حكاية الماضي وعظته إلى حكاية موقف الكفار وواقع أمرهم ،وتعليل لذلك بعدما جاءهم من الموعظة ما جاءهم .
والتعليل والاستدراك في شأن إبليس وتسلطه على الناس وعدم استطاعته التأثير إلا على الذين فيهم قابلية الغواية محكمان .فالناس بإبليس ووسوسته أمام امتحان يميز طيبهم من خبيثهم وصالحهم من فاسدهم .وفي كل مرة ذكرت فيها قصة إبليس أو وسوسته أو وسوسة الشيطان ورد هذا التعليل والاستدراك في قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم هم الذين يتأثرون بالوساوس ولا يؤمنون بالآخرة ولا يستجيبون إلى دعوة رسل الله .
وقد توهم الآية الثانية بأن الله لم يكن يعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك قبل امتحان الناس بإبليس ،ولما كان علم الله شاملا لكل ما كان ويكون فالوجه في العبارة أن تؤول بأن المراد منها هو إظهار نتائج الوسوسة عيانا حتى تسقط حجة المحتج .وقد تكرر هذا في القرآن كثيرا .وهو من التعابير الأسلوبية المعتادة بين الناس في التخاطب أيضا ،والفقرة الأخيرة من الآية نفسها من شأنها أن تزيل الوهم أيضا وتؤيد هذا التأويل .