التّفسير
لا أحد مجبر على اتّباع الشّيطان:
هذه الآيات في الحقيقة تمثّل نوعاً من الإستنتاج العام من قصّة «قوم سبأ » التي مرّت في الآيات السابقة ،ورأينا كيف أنّهم باستسلامهم لهوى النفس ووسوسة الشيطان ،أصبحوا معرضاً لكلّ تلك الخيبة وسوء التوفيق .
يقول تعالى في الآية الاُولى من هذه الآيات: ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه فاتّبعوه إلاّ فريقاً من المؤمنين ) .
بتعبير آخر ،فإنّ إبليس بعد إمتناعه من السجود لآدم وطرده من محضر الكبرياء الإلهي ،توقّع وقال: ( فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين ){[3491]} وإنّ هذا التوقّع قد صحّ بالنسبة لهؤلاء القوم .فمع أنّه ( لعنه الله ) قد قال حديثه هذا تخميناً وتوقّعاً ،ولكن هذا التخمين أصبح واقعاً في النتيجة .واتّبعه ضعفاء الإيمان والإرادة وسقطوا في فخاخه زرافات ووحداناً ،إلاّ مجموعة صغيرة من المؤمنين استطاعت تحطيم سلاسل الوساوس الشيطانية ،وتفادت الوقوع في مصيدته ،جاءوا أحراراً وعاشوا أحراراً ورحلوا أحراراً ،ومع أنّهم كانوا قلّة من حيث العدد ،إلاّ أنّ كلّ واحد منهم كان يعدل دنيا بأسرها من حيث القيمة المعنوية «اُولئك هم الأقلّون عدداً والأكثرون عند الله قدراً »{[3492]} .