{وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار}:
خوله: بمعنى منحه أو مكنه .
في الآية تنديد بخلق من أخلاق كثير من الناس ،فإذا أصاب أحد ضرر أو أحدق به خطر لجأ إلى الله تعالى وحده ،واستغاث به فإذا ما استجاب له وكشف عنه ما ألم به وبدله نعمة بعد سوء نسيه وجعل له أندادا وشركاء في الدعاء والعبادة متخليا عن موقفه الأول ضالا بذلك عن سبيل الله .وفي آخر الآية أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول لذلك الإنسان وأمثاله: تمتع بكفرك قليلا في الدنيا فإنك من أصحاب النار جزاء ما أنت فيه من ضلال وتناقض .
ولقد قال البغوي في صدد نزول الآية:( قيل إنها نزلت في عتبة بن ربيعة وقال مقاتل: نزلت في أبي حذيفة بن مغيرة المخزومي ،وقيل هي عامة في كل كافر ) ونحن نرجح القول الأخير استلهاما من روحها وعطفها على ما سبقها ،ونرى أنها متصلة بالآيات السابقة سياقا وموضوعا في صدد الجدل القائم بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمشركين ،وأنها جاءت استطرادية لتندد بموقف التناقض الذي يقفه المشركون من الله عز وجل في حالتي الشدة والفرج .وهذا لا يمنع أن يكون حدث في ظروف نزولها موقف من بعض المشركين مماثل لما حكته الآية ،فكان مناسبة لما اقتضته حكمة التنزيل من التنديد بتناقض المشركين .
وفي الآية توكيد لما احتوته آيات في سور أخرى سبق تفسيرها من اعتراف المشركين في قرارة نفوسهم بالله ،وبأنه هو وحده كاشف الضر والسوء ،ومن عادتهم في اللجوء إليه وحده حينما يحدق بهم خطر أو يلم بهم ضرر .وفي ذلك توكيد حاسم آخر بأن الله لا يقبل من عباده إلا أن يكون اتجاههم إليه وحده في كل ظرف ،وبأن غير ذلك هو شرك وكفر .
وفي الآية تلقين مستمر المدى في صدد من لا يذكر الله إلا في وقت الشدة وينساه وينحرف عن جادة الحق والتقوى في وقت الرخاء وما في ذلك من قبح وبشاعة وإثم عند الله .