{وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ} بفعل شعوره بالحاجة التي تحاصره من كل مكان ،وعجزه عن حلّ مشاكله الخاصة أو العامة ،فيرجع إلى الله مبتهلاً إليه في إخلاص عميق طارىءٍ يستغرق فيه ،ليشهد الله على قلبه بإخلاصه له{ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} لأن الإنسان الذي لا يعيش في داخله الإيمان العميق بالله ،يرتبط باللحظة الحاضرة من موقع الانفعال الذي تثيره الأوضاع الطارئة ،فإذا زالت قساوة الأوضاع وزال الانفعال المتوتر من داخله ...وهذا هو الفرق بين المؤمن الواعي الذي ينطلق إيمانه من عمق الفكر والمعاناة ،وبين المؤمن المنفعل الذي يخضع في حركة إيمانه للحاجة الطارئة ،فيعيش الأول حضور الله في شخصيته باستمرار ،بينما يعيش الآخر العقيدة بالله في حالةٍ انفعاليةٍ سريعةٍ تبدو ثم تزول .ولهذا فإنه يستغرق في أجواء الحس ،ويستمد شعوره من الانفعال بالعظمة البارزة للآخرين من حوله ،وللأسرار المزعومة الموهومة للأشياء المحيطة به ،فتتضخم تصوراته وتنحرف ليتخذ من ذلك كله آلهةً من دون الله ،وليتحرك من أجل أن يربط الناس بها ،وهذا هو واقعه الضالّ ،في ما استغرق فيه من شهوات الحس ،{وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ} مستغلاً في ذلك بلاغة كلامه ، وحلاوة منطقه ،وقوّة موقعه ،وكثرة أولاده وأتباعه للتأثير على الناس الذين ينفعلون بهذه الأمور ،في غياب الوعي الفكريّ الناقد والشخصية المستقلة القويّة ،فيستسلمون للضلال ،ويبتعدون عن طريق الله .
{قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} قل لهيا محمدوليقل له العاملون من بعدك ،من الموقع الذي يفكر فيه في دائرة الكفر التي يتحرك ضمنها ،وهو الاستمتاع بالحرية المنفلتة غير المسؤولة ،حيث يمارس شهواته ولذّاته ،ويسعى لتحقيق امتيازاته الطبقية وغير الطبقية من خلال الذين ينتفعون منه ،أو ينتفع بهم ،فهو إنسانٌ يطلب المتعة ولا يطلب الرسالة ،ويفكر بالدنيا ولا يفكر بالآخرة ،ويلتفت إلى الناس ولا يلتفت إلى الله .
قل له تمتع بكفرك الذي كنت تجد في نتائجه الدنيوية متعةً ،لأنك ترتبط بالمتعة من الجانب المباشر ،ولا تفكر بها من الجانب غير المباشر الذي يمثل عاقبة الأمور .فها هو الموقف الذي تقفه الآن ،فانظر كيف تتمتع بكفرك في النتيجة المضادّة لما تفكر به .فها هي النار التي تنتمي إليها الآن من خلال انتمائك للكفر في الدنيا .