{إِن تَكْفُرُواْ} بعد ظهور كل الدلائل على مضمون الإيمان المنفتح على الله في وحدانية وجوده وتدبيره وقدرته المطلقة على الكون كله ،{فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ} فلن ينقص من ملكه شيءٌ بكفركم ،لأن مسألة الكفر والإيمان تتصل بالحاجة الإنسانية إلى الارتباط بالله ،والوعي لربوبيته في حركة الطاعة ،تماماً كما هو الارتباط في طبيعة الوجود ،ليتكامل للإنسان نظامه التشريعي في معنى المسؤولية في وحي الله ،إلى جانب نظامه التكويني ،في معنى حركته الوجودية في تدبير الله .
{وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} لأن الكفر يسيء إلى حياتهم حيث التصور الباطل لمضمون الكفر ينحرف بالإنسان عن خط التوازن ونهج الاستقامة في الحياة ،ما يبعد به عن مصلحته الحقيقية التي ترتبط بالاقتراب من الله ،والسير على خط هداه .
{وَإِن تَشْكُرُواْ} بما يمثله الشكر من الإيمان بالله والطاعة له ،{يَرْضَهُ لَكُمْ} لأنه الرحيم الذي يريد لكم أن تشكروه ليكون ذلك أساساً لرضاه عنكم ورحمته بكم ولاستقامة أموركم في الدنيا والآخرة .وبذلك تكون مسألة الكفر والشكر مسألة الإنسان في حاجته إلى ذلك ،وفي رضى الله عنه أو عدم رضاه .
المسؤولية عن الأعمال الفردية
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فلا يحمل إنسانٌ عبء غيره في دائرة المسؤولية الجزائية عند الله ،لأن المسؤولية في العقيدة الإسلامية فردية ،فلا يتحمل الإنسان إلا عمله ،ولا علاقة له بعمل غيره إلاَّ بقدر صلته به من ناحية التسبيب والتأثير ،{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} في ما أحصاه الله في علمه ،ليواجهكم بالحقيقة الكاملة التي تواجهون بها نتائج المسؤولية{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} لأنه يعلم كل شيءٍ ويعلم من خفايا الإنسان ما لا يعلمه من نفسه .