{ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ( 27 ) وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ( 28 ) ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ( 29 ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ( 30 ) وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ( 31 )} [ 27 – 31] .
/خ27
تعليق على الآية
{ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض}
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أن الآية [ 27] وهي أولى هذه الآيات مدنية .وروى المفسر الخازن رواية مؤيدة لذلك عن خباب بن الأرت رضي الله عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إن هذه الآية نزلت فينا ،وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع فتمنيناها فأنزل الله الآية ) .والذي نلحظه أن الآية منسجمة في الآيات الأخرى سبكا وموضوعا انسجاما تاما .وأن آيات لا خلاف في مكيتها قد احتوت شيئا مما احتوته مرت أمثلة منها في السور السابقة وبخاصة في سورة سبأ .ولا تظهر حكمة لوضعها في السياق المكي الذي وضعت فيه لو كانت مدنية وهذا فضلا عن أن مضمونها لا ينطبق تماما على فحوى الرواية وبناء على ذلك كله فنحن نتوقف في رواية مدنيتها .
وهذا لا يمنع من أن يكون بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أظهروا عجبهم مما في أيدي يهود المدينة من ثروات فتلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآية مذكرا بحكمة الله ومشيئته ونواميسه في بسط الرزق وقبضه ،فظن بعضهم أنها نزلت حديثا .
وقد يكون نزول الآية في مكة متصلا بسبب مثل ذلك ؛حيث يكون الكفار قد تبجحوا بثروتهم وغناهم ،وقد حكت آيات عديدة عنهم ذلك ،أو يكون بعض المسلمين قد تساءلوا عن حكمة ذلك فجاءت لترد على أولئك أو تطمئن هؤلاء وظلت تساق في هذا المعرض ،وفي الآية [ 32] الآتية بعد قليل قرينة ما على ذلك على ما سوف نشرحه بعد .
ولقد روى الطبري عن قتادة أن الآية حينما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها ،فقال قائل: هل يأتي الخير بالشر يا نبي الله ؟فردد السؤال ثم نزل عليه الوحي فلما فصل عنه قال: إن الخير لا يأتي إلا بالخير ثلاثا ،ولكنه والله ما كان ربيع قط إلا أحبط أو ألم ( هذا مثل عربي يراد به مخالطة المواد الضارة في نبات الربيع مع المواد النافعة ) فإما عبد أعطاه الله مالا فوضعه في سبيل الله التي افترض وارتضى فذلك عبد أريد به خير وعزم له على خير .وإما عبد أعطاه الله مالا فوضعه في شهواته ولذاته وعدل عن حق الله عليه فذلك عبد أريد به شر وعزم له على شر .
ولقد ساق المفسر البغوي في سياق تفسير الآية حديثا قدسيا رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبريل جاء فيه: ( يقول الله عز وجل: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ،وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد ،وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه ،وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا ،إن دعاني أجبته ،وإن سألني أعطيته ،وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ،ولا بد له منه ،وإن من عبادي لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك ،وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ،وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ،وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك ،وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك .إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير ){[1818]} .
وفي الحديث تطمين بأسلوب آخر لما قصدته الآية من تطمين على ما شرحناه قبل .