قوله:{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} نزلت الآية في قوم من أهل الصِّفَّة تمنوا سعة الدنيا والغنى .قال خباب بن الأرتّ: فينا نزلت هذه الآية .وذلك أنا بطِرْنا إلى أموال قريظة والنضير فتمنيناها ،فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية{[4107]}{وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ} أي لو وسَّع الله على عباده في الرزق فأعطاهم مالا كثيرا{لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} ( بغوا ) من البغي وهو الظلم والتعدي .وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء{[4108]} والمعنى: لو أن الله وسع على عباده في الرزق فأعطاهم المال الكثير لطغوا وعصوا وتجبروا وتولوا بطِرين أشِرين .
وقيل: لو أعطاهم الكثير لطلبوا ما هو أكثر منه لقوله صلى الله عليه وسلم:"لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا "وهذا هو معنى البغي .وقيل: لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشرًا وبطرًا .
قوله:{وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} ينزل الله لعباده من الأرزاق ما يختاره لهم مما فيه صلاحهم .وهو سبحانه أعلم بذلك .فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر .وقد جاء في الحديث:"إن من عبادي من لا يصلحهُ إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه ،وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه ".
قوله:{إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} الله خبير بما يصلح عباده وبما يفسدهم من الغنى والفقر ،أو من السعة والإقتار ؛فهو يعلم كل ما يصلحهم أو يضرهم .وهو سبحانه بصير بتدبيرهم وتصريف أمورهم بما فيه خيرهم وصلاحهم .