( 1 ) الهدي معكوفا أن يبلغ محله: الأنعام المنذورة لتكون قرابين لله محبوسة عن البلوغ إلى المحل الذي يجب ذبحها عنده أو يحل ذبحها عنده .
( 2 ) أن تطأوهم: أن تدوسوهم وتصيبوهم بالأذى .
( 3 ) معرة: تبعة فيها إثم وعار .أو تعروكم من جرائهم مشقة وهم .
( 4 ) لو تزيلوا: لو تميزوا وانفردوا عن الكفار .
{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 25 ) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ( 26 )} .
تعليق على الآية:
{هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله}
والآية التالية لها وما فيهما من صور .
الآيتان استمرار للخطاب الموجه للمؤمنين كسابقاتهما وجزء من السياق .
وقد استهدفتا ما استهدفته الآيات السابقات من تثبيت وتطمين .وقد انطوتا على تقرير ما يلي:
1إن الكفار مستحقون لعذاب الله تعالى .ولقد كان قادرا على إنزال النكال الشديد بهم حالا لما بدا منهم ،فهم كافرون من جهة .وقد صدوا المسلمون عن زيارة المسجد الحرام وصدوا الهدي المنذور لله عن المكان الذي يحل فيه نحره من جهة .ولعبت في رؤوسهم نزوة الجاهلية وحميتها من جهة .
2ولكن حكمة الله العليم بكل شيء قضت بأن ينتهي الموقف إلى ما انتهى إليه .فأنزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين ،وهدأ من سورة غضبهم وغيظهم ،وألزمهم كلمة التقوى التي هي الأمثل بهم ؛لأنهم أهلها والأحق بها .
وألهمهم الرضاء بما فيه الخير والمصلحة .ولا سيما أنه كان في مكة فريق من المؤمنين لا يعلمهم المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وكان من المحتمل أن يدسوهم وينالهم أذى أثناء الاشتباك فيقعوا بذلك في الإثم والمشاكل .
وهذه ناحية رئيسية من حكمة الله تعالى في كف أيدي الفريقين عن بعض .
ولقد احتوت الآيتان إشارات خاطفة متوافقة مع ما ذكر الرواة تفصيله وأوردنا خلاصته قبل في صدد بعض مشاهد سفرة الحديبية والمفاوضات التي جرت بين النبي صلى الله عليه وسلم ومندوبي قريش ،وما كان من تعنت قريش وإصرارهم على الشروط التي كان الحافز عليها أنفة الجاهلية وحميتها ،وما كان من هدوء جأش النبي صلى الله عليه وسلم وتساهله وموقفه الحازم وانبثاث السكينة في نفسه ونفوس معظم المسلمين ومسايرتهم لهذه الشروط التي لا تهضمها النفوس بسهولة لولا إلهام الله وسكينته التي أنزلها على قلوبهم وإلزامه إياهم كلمة التقوى والحق والمصلحة .
وفي الآية الأولى خبر وجود فريق من المؤمنين والمؤمنات في مكة .وروح العبارة يلهم أولا: أنهم كانوا يكتمون إيمانهم ،وأنهم لم يكونوا قليلين بحيث كان من الصعب أن يختفوا وأن يسلموا من الأذى لو وقع اشتباك حربي بين المسلمين وقريش في مكة .وليس في العبارة القرآنية معنى تأنيبي في حقهم ؛حيث يلهم ذلك أنهم كانوا معذورين في البقاء في مكة .ولعلهم أو لعل منهم من أشارت إليه آية النساء هذه{وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} وآيات النساء هذه{إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا 98} فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا} ويكاد يكون من المتفق عليه أن العباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم وأسرته كانوا من المؤمنين وقد ظلوا في مكة إلى يوم الفتح .والمرجح أن بقاءه كان بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمصلحة كان يراها{[1957]} .
ولقد روى البخاري عن ابن عباس قوله ( كنت أنا وأمي من المستضعفين وفي رواية كنت أنا وأمي ممن عذرهم الله ){[1958]} .
ويروي الشيعة في مناسبة الآية ( 25 ) رواية جاء فيها ( قيل للإمام الصادق ألم يكن علي قويا في دين الله قال: بلى .قيل: فكيف ظهر عليه القوم ؟وكيف لم يدفعهم وما منعه من ذلك ؟قال: آية في كتاب الله وهي{لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما} لقد كان لله ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين .ولم يكن علي ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع .فلما خرجت على علي ظهر من ظهر فقتلهم ){[1959]} .
والكلام الذي في صدد عدم مقاتلة علي لأبي بكر وعمر وعثمان وجمهور أصحاب رسول الله الذين يزعم الشيعة أنهم غصبوا حقه وخالفوا وصية رسول الله .وفي هذا من الهراء والسخف ما هو واضح .وننزه الإمام الصادق عن قوله واعتباره جمهور أصحاب رسول الله كافرين ومنافقين والعياذ بالله .ولقد قاتل النبي الكفار ولم يمنعهم احتمال أن يخرج من أصلابهم مؤمنون ،ولقد قاتل على طوائف من المسلمين في ما يسمى في وقائع الجمل وصفين وحروراء ؛لأنه اجتهد في صواب ذلك ولم يمنعه كونهم مسلمين أو احتمال خروج مؤمنين من أصلابهم ،ولقد ثبت يقينا أن عليا رضي الله عنه بايع أبا بكر ثم عمر رضي الله عنهم وتعاون معهم في مختلف ميادين العمل العام ،ولا شك في أنه يعرف أن النبي لو كان وصى له لما بايعهم ولقاتلهم لأجل تنفيذ وصية رسول الله دون أن يمنعه أي شيء ؛لأن ذلك واجب ديني .هذا فضلا عن أن أبا بكر وعمر وعثمان والجمهور الأعظم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وسجل الله رضاءه عنهم في القرآن ( سورة التوبة الآية 100 ) أتقى من أن يجمعوا على مخالفة وصية رسول الله أن تنفيذها واجب ديني قبل أي شيء .