يقول تعالى مخبرا عن الكفار من مشركي العرب من قريش ومن مالأهم على نصرتهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:( هم الذين كفروا ) أي:هم الكفار دون غيرهم ، ( وصدوكم عن المسجد الحرام ) أي:وأنتم أحق به ، وأنتم أهله في نفس الأمر ، ( والهدي معكوفا أن يبلغ محله ) أي:وصدوا الهدي أن يصل إلى محله ، وهذا من بغيهم وعنادهم ، وكان الهدي سبعين بدنة ، كما سيأتي بيانه .
وقوله:( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ) أي:بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم ، لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل ; ولهذا قال:( لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة ) أي:إثم وغرامة ( بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء ) أي:يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين ، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام .
ثم قال:( لو تزيلوا ) أي:لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم ( لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) أي:لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلا ذريعا .
قال الحافظ أبو القاسم الطبراني:حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج - حدثنا عبد الرحمن بن أبي عباد المكي ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله أبو سعيد - مولى بني هاشم - حدثنا حجر بن خلف:سمعت عبد الله بن عوف يقول:سمعت جنيد بن سبع يقول:قاتلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول النهار كافرا ، وقاتلت معه آخر النهار مسلما ، وفينا نزلت:( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ) قال:كنا تسعة نفر:سبعة رجال وامرأتين .
ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن عباد المكي به ، وقال فيه:عن أبي جمعة جنيد بن سبع ، فذكره والصواب أبو جعفر:حبيب بن سباع . ورواه ابن أبي حاتم من حديث حجر بن خلف ، به . وقال:كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة ، وفينا نزلت:( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ) .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة ، عن أبي حمزة ، عن عطاء عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:( لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) يقول:لو تزيل الكفار من المؤمنين ، لعذبهم الله عذابا أليما بقتلهم إياهم .