{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 14 ) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 15 ) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ( 16 ) لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 17 ) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( 18 )اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( 19 ) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ ( 20 ) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( 21 )} .
تعليق على الآية:
{ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم}،والآيات الست التي بعدها وما فيها من صور وتلقين .
عبارة الآيات واضحة وقد تضمنت تنديديا واستنكارا وحملة شديدة وإنذارا لفريق كانوا يتولون ،ويتحالفون مع قوم ليسوا منهم ولا من المسلمين .وكانوا إذا ما عوتبوا حلفوا الأيمان الكاذبة بسبيل نفي ما عرف عنهم .وقد قررت الآيات واقع أمرهم بكونهم كاذبين قد استحوذ عليهم الشيطان وغدوا من حزبه وصاروا من الخاسرين ،وانتهت بتقرير كون الله قد حكم كل من يشاققه ويحادده الذل ،وأن الغلبة ستكون لله ورسله حتما .
والآيات فصل جديد ،وقد روي أنها نزلت في منافق اسمه عبد الله ابن نبتل كان يحضر مجالس النبي صلى الله عليه وسلم ،ثم ينقل ما يجري فيها إلى اليهود ويشترك معهم في الغمز والسب والكيد .وقد جابهه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ،فأخذ يحلف أنه لم يفعل{[2170]} .
والرواية متسقة إجمالا مع مضمون الآيات،غير أن الآيات تفيد أن الفريق المندد به أكثر من شخص واحد،وهذا لا ينفي احتمال صحة رواية مناسبة النزول ،ولكن يلهم أنه كان لهذا المنافق أمثال .فاقتضت حكمة التنزيل شمولهم جميعا بالحملة الشديدة التي احتوتها الآيات مع تطمين قوي للنبي صلى الله عليه وسلم ووعد بالنصر والغلبة .
وهكذا تكون الآيات قد احتوت صورة من المواقف الخبيثة التي كان يقفها المنافقون في الكيد والأذى والتضامن والتآمر مع اليهود .
والراجح أن هذه الصورة غير الصورة التي احتوتها الآية الثامنة من هذه السورة وإن كان بينهما شيء من المماثلة .
ومن المحتمل أن تكون الآيات قد نزلت بعد الآيات السابقة فوضعت في ترتيبها .
والآيات قرينة أخرى على أنها نزلت قبل الفصل الذي احتوى خبر وقعتي الخندق وبني قريظة الوارد في سورة الأحزاب أو على أن فصل سورة الأحزاب المذكورة قد نزل بعدها .والله اعلم .
ومع خصوصية الآيات الزمنية فإن فيها تلقينا أخلاقيا واجتماعيا مستمر المدى بتقبيح وتشنيع وحظر التناصر والتضامن مع أعداء الأمة والملة وعدم التساهل مع من يفعل ذلك ،والوقوف منهم موقف الشدة والصرامة .