/م38
تعليق خاص على الآية:
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ ......} الخ .
في هذه الآية إشارة خاطفة إلى حادث خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة .وقد جاءت كما شرحناه قبل على سبيل التنديد بالمتثاقلين عن النفرة إلى الجهاد وتنبههم إلى أن الله كفيل بنصر رسوله إن لم ينصروه ،وقد نصره من قبل حين أخرجه الكفار من مكة .
وهي الإشارة الوحيدة في القرآن الصريحة إلى هذا الحادث العظيم الذي كان له أعظم الأثر في الرسالة الإسلامية وأدى إلى اندحار الشرك وغدو كلمة الله هي العليا كما جاء في الآية .
ولقد أوردنا خلاصة ما روي في صدد هذا الحادث في سياق الآية ( 30 ) من سورة الأنفال وأوردنا ما روي من أحاديث نبوية أيضا وعلقنا على كل ذلك بما يغني عن التكرار .
والآية لا تذكر اسم صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغار .ولكن التواتر الذي بلغ مبلغ اليقين أنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حتى إن بعضهم قال بكفر من أنكر ذلك ( 1 ){[1100]} .ولقد روى الترمذي حديثا عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأبي بكر: أنت صاحبي على الحوض ،وصاحبي في الغار ( 2 ){[1101]} .وهناك حديث رواه البخاري والترمذي عن أنس جاء فيه: ( إن أبا بكر حدثه .قال: قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه .فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) ( 3 ){[1102]} .حيث ينطوي في الحديثين الصحيحين أدلة نقلية على كون أبي بكر هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الغار .
وفي الآية صورة رائعة لعمق إيمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعتماده على الله تعالى وما انبث في نفسه نتيجة لذلك من رباط جأش .وصورة رائعة لشدة إخلاص أبي بكر رضي الله عنه .والحديث الذي يرويه البخاري والترمذي لا يذكر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له: ( لا تحزن إن الله معنا ) .وإن كان يذكر معنى ذلك .ويجب الإيمان بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له هذه الجملة لأنها نص قرآني قاطع .
والتذكير في الآية قوي محكم .وبخاصة الإثارة إلى ما كان من نتائج نصر الله الباهر لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ؛حيث خرج شريدا خائفا ثاني اثنين .فلم يزل الله تعالى يؤيده وينصره إلى أن أرغم جميع أعداء الإسلام وجعل كلمة الكفر والكفار السفلى وكلمة الله هي العليا في أنحاء جزيرة العرب ،وامتد ذلك إلى أطراف الجزيرة ،من خارجها ثم من خارجها إلى أبعاد شاسعة في مشارق الأرض ومغاربها .ولعل في هذه الإشارة صورة خاطفة ،ولكنها قوية رائعة وتامة لدعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرها ونتائجها .
ومن المؤسف المثير أن الشيعة الذين يظهر أنهم لم يستطيعوا نفي صحبة أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زعموا زورا وكفرا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أخذه معه مخافة أن يشي به للمشركين والعياذ بالله من ذلك .وحاولوا تهوين شأنه في هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسفسطات أشبه ما تكون بالهذيان منها بأي شيء آخر ( 1 ){[1103]} .متجاهلين أحاديث كثيرة صحيحة في التنويه بفضل أبي بكر وعظم قدره عند الله ورسوله .منها حديث رواه الشيخان والترمذي عن أبي سعيد قال: ( خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس وقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله .قال: فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه .فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المخير .وكان أبو بكر أعلمنا به .فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر .ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته .وفي رواية ولكنه أخي وصاحبي ) ( 2 ){[1104]} .وحديث رواه الترمذي عن عائشة قالت: ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه ما خلا أبا بكر ،فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة .وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر ) ( 3 ){[1105]} .وحديثان آخران رواهما الترمذي عن عائشة جاء في أحدهما: ( دخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أنت عتيق الله من النار قالت فمن يومئذ سمي عتيقا ) .وجاء في ثانيهما: ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره ) ( 1 ){[1106]} .