يقول تعالى:( إلا تنصروه ) أي:تنصروا رسوله ، فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه ، كما تولى نصره ( إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين ) [ إذ هما في الغار] ) أي:عام الهجرة ، لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه ، فخرج منهم هاربا صحبة صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة ، فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ، ثم يسيرا نحو المدينة ، فجعل أبو بكر - رضي الله عنه - يجزع أن يطلع عليهم أحد ، فيخلص إلى الرسول - عليه السلام - منهم أذى ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يسكنه ويثبته ويقول:يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا عفان ، حدثنا همام ، أنبأنا ثابت ، عن أنس أن أبا بكر حدثه قال:قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الغار:لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه . قال:فقال:يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما .
أخرجاه في الصحيحين .
ولهذا قال تعالى:( فأنزل الله سكينته عليه ) أي:تأييده ونصره عليه ، أي:على الرسول في أشهر القولين:وقيل:على أبي بكر ، وروي عن ابن عباس وغيره ، قالوا:لأن الرسول لم تزل معه سكينة ، وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ؛ ولهذا قال:( وأيده بجنود لم تروها ) أي الملائكة ، ( وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا )
قال ابن عباس:يعني ( كلمة الذين كفروا ) الشرك و ( كلمة الله ) هي:لا إله إلا الله .
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال:سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال:من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله .
وقوله:( والله عزيز ) أي:في انتقامه وانتصاره ، منيع الجناب ، لا يضام من لاذ ببابه ، واحتمى بالتمسك بخطابه ، ( حكيم ) في أقواله وأفعاله .