{ ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون 28}( يونس ) .
الكلام في بيان اليوم الذي أنكروه:{ قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون 82}( المؤمنون ) ولتذكيرهم بما يكون في هذا اليوم من حساب وعذاب وما هو جدير بأن يعلموه ، وهو تبرؤ معبوديهم الذين أتخذوهم أندادا لله منهم ومعبوديهم هؤلاء هم عقلاء ينطقون كالملائكة والأنبياء الذين عبدوهم مع الله كالنصارى أو الأحجار التي لا تضر ولا تنفع .
{ ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم} ،{ ثم} عاطفة تدل على الترتيب والتراخي الزماني والمعنوي ، أما الزماني فهو أن ذلك القول بعد الحشر وبعد أن ارتكبوا في الدنيا ما ارتكبوا وطغوا وما بغوا وأفسدوا ، وأما المعنوي فهو البعد بين حالهم وما كانوا فيه من إنكار وطغيان ، وحالهم وقد تبين لهم ما أنكروه واقعا ونطق الذين عبدوهم بالحق وتبرءوا منهم .
وقوله تعالى:{ مكانكم} مفعول لفعل محذوف معناه الزموا مكانكم وقفوا حيث أنتم وكانوا هم وشركاؤهم مجتمعين حسا ومفترقين نفسا ، ولذا قال تعالى:{ فزيلنا بينهم} وهناك قراءة "فزايلنا بينهم"وهما من زال فزيل مضاف زال- وزايلنا – مفاعلة من زال ، أي فرقنا بينهم وجعلنا ما كان بينهم في الدنيا يزول وافترق العابد على المعبود كقوله تعالى:{ وامتازوا اليوم أيها المجرمون59}( يس ) ، وكقوله تعالى:{ ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون14}( الروم ) ، وقوله تعالى:{. . .يومئذ يصدعون43}( الروم ) .
{ وقال شركاؤهم} الشركاء هم الأنداد التي عبدوها أو غيرهم ، وسموا شركاؤهم؛ لأنهم انتحلوا لهم الشركة فعلا ، وإن لم يقولوها قولا .
وقال هؤلاء نافين نفيا باتا:{ ما كنتم إيانا تعبدون} أي ما كنتم تسمونه عبادة ليس عبادة ، فما عبدتمونا ولكن عبدتم أوهامكم وما حسبتوهم آلهة بإيعاز الشيطان ، كما جاء على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام:
{. . . . . قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب 116 ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد117}( المائدة ) .
وفي قوله تعالى:{ ما كنتم إيانا تعبدون} النفي مؤكد قاطع ؛ لأنه نفي في الماضي والمستقبل ، وأن ما كانوا يسمونه عبادة ليس عبادة مطلقة وأن من خصوهم بالعبادة ينكرونها فليسوا أهلا لأية عبادة .
وقد يسأل سائل:كيف كانت الحجارة التي تمثلوها آلهة تنطق بذلك النفي ؟ فنقول:إن ما عبدوهم من الأنبياء كعيسى يقول ذلك ، أما الحجارة فينطقها الله فتقوله ، أو هو تصوير لحالها في أمرها وأمرهم والله تعالى شاهد .
يقول تعالى: