والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 27 ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون 28 فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين29 هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون 30 قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون 31 فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون 32 كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون 33 قل هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثم يعيده قل الله يبدؤ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون 34 قلهل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكم كيف تحكمون35 وما يتبع أكثرهم إلا ظنا لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون 36
{ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 27} .
يبين سبحانه جزاء الذين كسبوا السيئات- بعد أن بين جزاء الذين أحسنوا:{ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها} ( الواو ) تعطف هذه الجملة على ما قبلها وهو جزاء المحسنين؛وتقدير القول وجزاء الذين كسبوا السيئات سيئة بمثلها ( الباء ) للمقابلة فإذا كان المحسنون يجازون بالحسنى وزيادة ، فحسب المشركين أن تجازي السيئة بمثلها ، كما يقول تعالى:{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها . . . 160}( الأنعام ) .
والمثل كثير إزاء ما ارتكبوا ؛ فالشرك مثله من الجزاء كبير فلا حاجة إلى الزيادة ، وقد ذكر سبحانه وتعالى هنا كلمتين نرى فيهما:
أولا:{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون 160} الكلمة لا تدل على مجرد ارتكاب الذنوب ، بل تدل على أن هذه الذنوب أشربت بها نفوسهم وكسبتها قلوبهم حتى صارت وكأنها كالجبلة لهم إن لم تكن كالفطرة منهم .
وفي اكتساب السيئات قال سبحانه:{ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81{ ( البقرة ) .
ثانيا:كلمة{ بمثلها} أي بمثل السيئة ، وهذا في المقابلة والمشاكلة اللفظية فالجزاء ليس سيئة إنما هو العدالة التي ليست في ذاتها ، كقوله تعالى:{. . . .فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . . .194}( البقرة ) .
ولكثرة سيئاتهم وتضافرها أظلمت بها نقوسهم ، ويوم الحساب تظهر ظلمة القلوب ظلاما في وجوههم ، ولذا قال تعالى:{ وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما} .
هنا تشبيه واستعارة ، أما الاستعارة فهي قوله تعالى:{ قطعا من الليل مظلما} وفيها يبدو الليل كأنه الثوب الأسود الذي قطع قطعا .
وأما التشبيه في قوله تعالى:{ كأنما أغشيت} أي البست وأغطيت بقطع مظلمة ، وهذا تصوير لسواد وجوههم بما اقترفوا ، فقلوبهم المظلمة تكسو وجوههم بالظلام ، وفي هذا التصوير الحسي تصوير معنوي لنفوسهم .
ثم ختم الله تعالى بعذابهم فقال:{ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} أولئك الذين أشركوا وظلموا وهم أصحاب النار يلازموها ملازمة الصاحب لصاحبه وهم خالدون فيها ، وقد تأكد خلودهم بضمير الفعل ، كما تأكد اختصاصهم بها بتقديم الجار والمجرور على{ خالدون} ، أي هم وحدهم الخالدون فيها .