{ والَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} جزاء وفاقا ، لا يزادون على ما يستحقون بسيئاتهم من العذاب شيئا .
{ وتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي تغشاهم الفضيحة ، وكسوف الخزي ، بما يظهره حسابهم من شرك وظلم وزور وفجور .
{ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ} ما لهم من أحد ولا من شيء يعصمهم ويمنعهم من عذاب الله ، كالذين اتخذوهم في الدنيا من الشركاء ، وزعموهم من الأولياء والشفعاء ، وانتحلوهم من الوسائل والوسطاء ، لأنه اليوم الذي تنقطع فيه الأسباب التي مضت بها سنن الله تعالى في الدنيا ، فأنى تفيد فيه المزاعم الشركية الوهمية{ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله} [ الانفطار:19] أو ما لهم من عند الله ومن فضله من عاصم يحفظهم من عذابه كعفوه ومغفرته ، فإنه لا يغفر أن يشرك به ، كالشفعاء الذين يشفعون بإذنه لمن ارتضى من عباده إظهارا لكرامتهم ، لأن هذه الشفاعة الخاصة لا نصيب فيها لمنتحلي الشفاعة الشركية الذي كانوا يزعمون في الدنيا أن لشفعائهم تأثيرا في مشيئة الله وأفعاله حتى يحملوه على فعل ما لم يكن يفعله لولا شفاعتهم ، فيجعلون ذاته وصفاته وأفعاله معلولة تابعة لما يطلبونه منه ، وأما شفاعة الإيمان الصحيحة فهي تابعة لمشيئته ولمرضاته{ ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [ الأنبياء:28] .
{ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِما} أي كأنما قدّ لوجوههم قطع من أديم الليل حالة كونه حالكا مظلما ، ليس فيه بصيص من نور القمر طالع ، ولا نجم ثاقب ، فأغشيتها قطعة بعد قطعة ، فصارت ظلمات فوق بعض ، وإنه لتشبيه عظيم في بلاغة المبالغة في خذلانهم وفضيحتهم التي تكسف نور الفطرة ، والظاهر أن سواد وجوههم حقيق ومجازي .
{ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أي أولئك الموصفون بما ذكرهم أصحاب النار خالدون فيها لا يبرحونها ؛ لأنه ليس لهم مأوى سواها- كما تقدم في آية أخرى- وقد يدخلها بعض عصاة المؤمنين ، فيعاقبون على ما اجترحوا من السيئات ، ثم يخرجون منها .
هذا الوصف لأهل الجنة وأهل النار له نظير في آخر سورة الأعمى{ وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة * ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة * أولئك هم الكفرة الفجرة} [ عبس:38 42] ، وفي سورة القيامة{ وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة * ووجوه يومئذ باسرة * تظن أن يفعل بها فاقرة} [ القيامة:2225] ، وهذه المقابلة في سورة القيامة ترجح أن الزيادة على الحسنى في آية يونس هي مرتبة النظر إلى الرب ، فنسأله تعالى أن يجعلنا وأولادنا وأهل بيتنا وإخواننا الصادقين من أهلها .