{ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وزِيَادَةٌ} هذا بيان لصفة الذين هداهم إلى صراط الإسلام ، فوصلوا بالسير عليه إلى غايته ، وهي دار السلام ، أي للذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا المثوبة الحسنى ، أي التي تزيد في الحسن على إحسانهم ، وهي مضاعفتها بعشرة أمثالها أو أكثر ، كما قال في سورة النجم{ ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا الحسنى} [ النجم:31] .ولهم زيادة على هذه الحسنى ، هي فوق ما يستحقونه على أعمالهم بعد مضاعفتها التي هي من جزائها مهما تكن حسنة كما قال:{ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله} [ النساء:172] ، وقد ورد في الأحاديث الكثيرة من الطرق العديدة أن هذه الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم ، وهو أعلى مراتب الكمال الروحاني الذي لا يصل إليه المتقون المحسنون العارفون إلا في الآخرة .وقد فصلنا القول فيه في تفسير سورة الأعراف ( ج 9 ) بما يقربه من العقل والعلم العصري ، ويدحض شبهات المعتزلة المنكرين له بزعمهم أنه محال عقلا ، وما هذا المحال إلا نظريات عقولهم التي تقيس عالم الغيب على عالم الشهادة ، وقد ظهر في هذا العصر من علوم المادة ما لم يكن يقبله عقل من العقول المقيدة بتلك النظريات المتولدة من الفلسفة اليونانية والكلام الجهمي ، فكيف يكون عالم الغيب الإلهي مقيدا بها:
وثم وراء العقل علم يدق عن***مدارك غايات العقول السليمه
{ ولاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ولاَ ذِلَّةٌ} رهق الرجل الشيء ( كتعب ) أدركه ، ورهقه الشيء كالدين والذل غشيه ، وغلب عليه حتى غطاه وحجبه{ ولا ترهقني من أمري عسرا} [ الكهف:73] لا تكلفني ما يعسر عليّ ، والقتر الدخان الساطع من الشواء والحطب ، وكل غبرة فيها سواد .أي لا يغشي وجوههم في الآخرة شيء مما يغشي وجوه الكفرة الفجرة من الكسوف والظلمة والذلة ، كما يأتي قريبا في المقابلة بين الفريقين .
{ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} أولئك الموصفون بما ذكر أصحاب الجنة دار السلام والإكرام ، خالدون مقيمون فيها لا يبرحونها .