يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الحسنى في الدار الآخرة ، كما قال تعالى:( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [ الرحمن:60] .
وقوله:( وزيادة ) هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وزيادة على ذلك [ أيضا] ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم ، وما أخفاه لهم من قرة أعين ، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم ، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه ، لا يستحقونها بعملهم ، بل بفضله ورحمته وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم ، عن أبي بكر الصديق ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس [ قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن الصامت] وسعيد بن المسيب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الرحمن بن سابط ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعامر بن سعد ، وعطاء ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم من السلف والخلف .
وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد:
حدثنا عفان ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية:( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) وقال:"إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد:يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه . فيقولون:وما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا من النار ؟ ". قال:"فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم ".
وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة ، من حديث حماد بن سلمة ، به .
وقال ابن جرير:أخبرنا يونس ، أخبرنا ابن وهب:أخبرنا شبيب ، عن أبان عن أبي تميمة الهجيمي ؛ أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي:يا أهل الجنة - بصوت يسمع أولهم وآخرهم -:إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، الحسنى:الجنة . وزيادة:النظر إلى وجه الرحمن عز وجل ".
ورواه أيضا ابن أبي حاتم ، من حديث أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة الهجيمي ، به .
وقال ابن جرير أيضا:حدثنا ابن حميد ، حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن كعب بن عجرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال:النظر إلى وجه الرحمن عز وجل .
وقال أيضا:حدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، سمعت زهيرا عمن سمع أبا العالية ، حدثنا أبي بن كعب:أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل:( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) قال:"الحسنى:الجنة ، والزيادة:النظر إلى وجه الله عز وجل ".
ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث زهير ، به .
وقوله تعالى:( ولا يرهق وجوههم قتر ) أي:قتام وسواد في عرصات المحشر ، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة ، ( ولا ذلة ) أي:هوان وصغار ، أي:لا يحصل لهم إهانة في الباطن ، ولا في الظاهر ، بل هم كما قال تعالى في حقهم:( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ) أي:نضرة في وجوههم ، وسرورا في قلوبهم ، جعلنا الله منهم بفضله ورحمته ، آمين .