وقد بين سبحانه وتعالى أن الدنيا دار الابتلاء ، والآخرة دار الجزاء فقال عز من قائل:{ هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون 30} .
{ هنالك} إشارة إلى ذلك الموقف الرهيب والمكان الرفيع ، وهو الحشر أمام الله تعالى ، وكانت الإشارة بالبعيد ؛ لرفعه الوقف أمام الله وشرفه ، ولأنهم كانوا يستبعدونه ويظنونه مستحيلا .
{ تبلو كل نفس ما أسلفت} فيها ثلاث قراءات ، قراءة بالتاء{ تبلو} وقراءاتانبالنون ( نبلو )إحداهما بنصب( كل ) ، أي النفوس كلها هي المختبرة ، والثانية برفع( كل ) .
وفي الأولى{ تبلو} أي تتلو كل نفس ما أسلفته من أعمال في كتابها الذي تحمله بيمينها أو شمالها فتقرأ عملها محضرا ، كما قال تعالى في سورة الإسراء:{. . . . ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا 13 اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا14}( الإسراء ) .
أما في القراءة بالنون برفع كل "نبلو كل"أي نعاملهم معاملة التعرف لما وقوله:{ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وآخر13}( القيامة ) فالاختبار هنا يكشفه الله ويستحضر لهم فيه ما أسلفوا .
أما القراءة بالنون مع نصب"كل"أي( نبلو كل ) فهي نصب في المعنى السابق والاختلاف في الإعراب ولا اختلاف في المعنى .
ومن هنا نجد أن الاختلاف الحقيقي يكون بين القراءتين بالتاء والنون وكله من عند الله تعالى .
{ وردوا إلى الله مولاهم الحق} المولى بمعنى الناصر وبمعنى الخالق وبمعنى المالك ، أي مالكهم الحق ، أي الثابت ملكيته ، وسلطانه والحق للاحتراز عما ادعوا من أوثان وأنداد اتخذوها ، ففي هذا اليوم يبتدي سلطان الله تعالى حقا وتتبدد أوهامهم عن أولياء الشيطان وما زعموه .
ولذا قال سبحانه:{ وضل عنهم ما كانوا يفترون} أي غاب عنهم وبعد عن عقولهم ما كانوا يفترونه في عبادات باطلة وافتراء كاذب كانوا مستمرين عليه يكررونه ليلا نهارا ، وفي قوله تعالى:{ ما كانوا} يدل على الاستمرار وذلك بالجمع بين الماضي في{ كانوا} والمستقبل في{ يفترون} فالجمع بين الماضي والمستقبل يدل على استمرار الفعل .
يقول تعالى: