{ قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون 49} .
طلبوا مستهزئين غير مبالين أن يحل بهم ما وعد الله من عذاب فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم أنه لا يملك ذلك وإنما يملكه الله تعالى وحده ، ويقول لهم صلى الله عليه وسلم أنه إنسان مثلهم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، وبالأولى لا يملك لغيره ثم بالأولى لا يملك ضررا عاما يعم المشركين جميعا كما يطلبون .
{ قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله} وقدم الضر على النفع ؛ لأنهم يطلبون أن ينزل بهم ما يضرهم فكان الرد بنفيه أولا ، فإذا كان لا يملك أن يضر نفسه فلا يملك أن يضر غيره .
وقوله تعالى:{ إلا ما شاء الله} استثناء يبين كمال سلطان الله وأنه وحده الذي يشاء ويختار وينفذ في الوجود الكوني ما يشاء هو ، لا ما يشاء غيره ، والمعنى هنا ان شاء فالذي يملك سبحانه وإن لم يشأ فلا أملك ، والاستثناء بقوله:{ إلا ما شاء الله} حيث الإرادة والاختيار المطلق لله تعالى وحده كقوله سبحانه:{ خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك . . .107}( هود ) ، فهي دالة على اختياره المطلق ومدلول هذا الاختيار أنه لو شاء لضر ، فليس أمر هذا الكون أو الإنسان يقع بغير اختياره ، وهذه إجابة فيها بيان أنه صلى الله عليه وسلم ليس مغترا كاغترارهم وأن قوته محدودة ولا يدعى ما ليس له مثله ، ومع هذه الإجابة إجابة أخرى هي قوله تعالى:{ لكل أمة أجل} أي زمن محدود تنتهي عنده ، والأمم السابقة كان أجلها بما ينزل عليها من عذاب ساحق مبيد للكافرين كالغرق لقوم نوح ، والهلاك بسبب سماوي كما كان لقوم لوط وعاد وثمود .
لم يقدر لكم الله تعالى الهلاك كهذه الأمم ، بل إنه لا يزال يرتجي الخير لبعضكم أو أن بكون من أصلابكم ، وفي هذا ما يفيد أن الوعد في الآية السابقة ما كان مقصورا على الكافرين بعذاب الآخرة بل يشمل ما كان في الدنيا من إهلاك الكافرين المفسدين ، كما تقص القصص الصادقة في القرآن .
{ إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} أي إذا أحل أجلهم فيزمانه المعين الذي قدره الله تعالى لا يستطيعون طلب تأخيره أو تقديمه ( السين ، والتاء ) للطلب أي أنهم ليس لهم تأخيره أو تقديمه كما يتوهم المشركون ويطلبونه مستهزئين أو جادين .