ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين 53 ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون 54 ألا إن لله ما في السماوت والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون 55 هو يحي ويميت وإليه ترجعون 56
ذكر لحالهم يوم القيامة عندما ينزل بهم ما كانوا يستعجلون به ويرونه حقا وصدقا وعيانا ، وقد كانوا من قبل ينكرون وقوعه ويعجبون ويستهزئون ممن يذكرهم ، وقد ذكر سبحانه صورة من القول الذي كان على ألسنتهم .
{ يستنبئونك} النبأ هو الخبر ذو الشأن ، والسين والتاء للطلب وهي ، هنا لطلب البيان ، فالمعنى يستخبرونك عن النبأ العظيم وهو أن الناس يحيون بعد أن يموتوا ، وتجمع أجسامهم بعد أن صارت رفاتا وعظاما ، وقد أمر الله تعالى أن يجيبهم بتأكيد الوقوع مقسما . فقال سبحانه:{ قل إي وربي إنه لحق} .
{ إي} معناها "نعم"إنه حق ثابت واقع لا محالة ، وقد قدر علماء البيان أن كلمة{ إي} التي تكون بمعنى نعم ، لا تكون إلا ومعها قسم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما أمره ربه:{ وربي} أي الذي خلقني فبرأني ورباني ، وفيه إشارة إلى تقريب تحقق ذلك الأمر الذي عجبوا منه واستنكروه واستهزءوا به ، والقسم عليه{ إنه لحق} أكد أنه حق بالجملة الاسمية وب"إن"التي للتوكيد وباللام .
أكد القسم أنه في قدرة الله وفي إمكانه ولا يخرج عن قدرة القاهر لكل شيء فقال سبحانه:{ وما أنتم بمعجزين} أي لستم معجزين لله تعالى عن إعادتكم وحسابكم على ما قدمتم وأخذ المجرم بما اكتسب وإعطاء المحسن ما استحق من ثواب ، والاستفهام في{ أحق هو} حقيقي منهم لأنهم جاهلون باليوم الآخر غلبت عليهم الحياة الدنيا ، وأنه قد يكون تعجبا واستغرابا واستنكارا ، وتومئ إلى هذه صيغته{ أحق هو} وهو لعجبهم الذي بينه الله تعالى في قوله:{ وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد . . .5}( الرعد ) .
قال ابن كثير:"لم يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بإجابة المشركين بالقسم إلا في ثلاث مواضع هذه أولها . والثانية:في قوله تعالى:{ وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم . . . .3}( سبأ ) ، والثالثة:في قوله تعالى:{ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثنثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير 7}( التغابن ) . .
كان أمر الله بالقسم في هذا المقام ليزيل غرابتهم أولا ، وليؤكده في ذات نفسه ثانيا ، وليحملهم على الاستعداد له ثالثا .
{ وما أنتم بمعجزين} فيه بيان للإمكان ثم التحقق ، وتأكيد لإزالة الاستغراب ، وهو نفي مستغرق للإعجاز ، فالله تعالى خالق كل شيء لا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير .
إن ما يكون في يوم الجزاء من عقاب للآثمين يساوي كل ما في الدنيا بحذافيرها من متاع ، ولذا قال تعالى: