{ هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون67} .
أنعم الله تعالى على خلقه العقلاء بنعمتي الليل والنهار ، ليل ليسكنوا فيه ويقروا مع أهليهم وذرياتهم قرة أعينهم وليطمئنوا ، وجعل النهار مبصرا ليعلموا في الأرض يعمروها ويصلحوها ، وفي قوله تعالى:{ والنهار مبصرا} مجاز لأن المبصر هو الحي الذي رزق نعمة البصر ووصف به الزمان للمبالغة في وصف نوره وضياه ، وفي هذا إشارة إلى أصل خلق الكون ؛ فاختلاف الليل والنهار حال موقع الشمس من الأرض ، وذكر هذا فيه دلالة بالاقتضاء على نعمة الله في خلق الكون كله من السماء ببروجها والأرض برواسيها ومهادها وآكامها وطبقات معادنها وأطيارها وأسماكها وكل ما فيها من نعم ،{ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . . .18}( النحل ) ، وأن الكون كله وما فيه من آيات تدل على أنه الواحد الأحد وأنه لا معبود سواه ؛ لأنه الإله وحده ، وأن ما يسمونه لهم عبادة ليس بعبادة إنما هي أوهام سيطرت عليهم خضعوا لها ولأهوائهم ، ولذلك قال تعالى:{ إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} إشارة إلى الدلائل البينة الواضحة لخلق الليل والنهار لقوم يسمعون الحق ويستجيبون له ويهتدون به ، وكأن الله تعالى ينفي السماع عمن يسمعون ولا يفقهون ، كقوله تعالى:{. . . .ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها . . . .179}( الأعراف ) .
ولكن في هذه الآية ذكر سبحانه السمع دون البصر ؛ لأن القرآن يتلى عليهم والآيات تقرع حسهم فلا يعتبرون ، فهم لا يسمعون دعاء القرآن لهم بعبادة الله تعالى وحده ولو كانوا يعتبرون بالآيات لسمعوا القرآن واعتبروا به .