فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين 94 ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين 95 إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون 96ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم97 فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين 98 ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين 99 وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون 100 قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون 101 فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين 102 ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين 103 قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين 104 وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين 105 ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين 106 وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم 107 قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل108 واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين109
{ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين94} .
الشك هو الضيق ، ثم أطلق على التردد في الحكم بين اليقين والإنكار ؛ لأنه يحدث في النفس ضيقا ، وسياق القول في هذه الآيات وما قبلها هو بيان القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أصاب أولى العزم من الرسل ما أصابه من قومه ونزل بهم من الشدائد والإعراض والاستهزاء والسخرية ما نزل به صلى الله عليه وسلم ، وأنه سبحانه ينبه نبيه صلى الله عليه وسلم إلى صدق ما أخبره ويثبت فؤاده ، وفي النهي عن الشك أمر بالتثبت واليقين والاطمئنان إلى أنه الحق . فقوله تعالى:{ فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} هو فرض غير واقع والغرض منه:
أولا – تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانيا – بيان أن الكتب السابقة ثابت فيها هدا .
ثالثا –تدكير النبي صلى الله عليه وسلم بما حدثللنبيين قبله .
رابعا- بيان أن القصص الصادق يربي اليقين .
والدليل على أن النص لا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ، أن أداة الشرط هي"إن"وهي تدل على أن فعل الشرط ليس بواقع ولا محقق .
والشك- كما قال الغزالي – هو طريق الوصول إلى الحق ، وقد ذكر الله تعالى في القرآن أن المشركون يسارعون بالتكذيب ولا يتروون فيتفكروا ويصلوا إلى الحق البين ، والله سبحانه وتعالى يفرض الشك الذي لم يقع كأنه واقع ليسوق الأدلة المثبتة وهي شهادة الكتب السابقة لهذه الأخبار الصادقة ، التي تزيل كل أوهام المشركين على أن الخطاب في قوله تعالى:{ فإن كنت في شك} هو لأهل الخطاب الذين يعلمون القرآن أو يتلونه بأن يسألوا الذين أوتوا الكتاب من قبل .
وقوله تعالى:{ مما أنزلنا إليك} فيها ما يفيد نفي الشك لأنه من عند الله تعالى الذي بعثك رحمة للعالمين فلا ريب ولا يمكن أن يكون ريا ؛ ب لأنه عاين الوحي الذي خاطبه به الروح الأمين جبريل عليه السلام نزل به على قلبك وأن{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . . . .146}( البقرة ) ،{ الحق من ربك فلا تكن من الممترين 60}( آل عمران ) .
الامتراء هو الشك بعد اليقين ، فالنهي عن الامتراء هو للاستمرار على اليقين والإيمان ، وألا يتزلزل ذلك اليقين بفعل المشركين ، وأن مؤدى ذلك القول هو تأكيد الحق وتثبيته لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم ولتثبيت فؤاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإيمانه الراسخ كالجبال أو أشد ، فكثرة الدلائل تثبت اليقين كقول إبراهيم- عليه السلام:{ وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموت قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي . . . .260}( البقرة ) .
وقوله تعالى:{ لقد جاءك الحق من ربك} نص يوجب اليقين ، فالحق وحده نور يجلو اليقين قد أكده سبحانه وتعالى بكلمه"قد"وباللام قبلها ، وقال:{ من ربك} أي الذي خلقك ورباك ، ولذا رتب عليه النهي عن الافتراء .
( الفاء ) في قوله:{ فلا تكونن من الممترين} لترتيب ما بعدها على ما قبلها والنهي موجه في ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو موجه للناس عامة وأهل مكة خاصة .