{ خالدين فيها مادامت السموات والأرض} وقوله تعالى:{ ما دامت السموات والأرض} جريا على استعمال العرب في تأكيد دوام الحكم بأمر من الأمور ، فيقولون في بيان دوام العقد:ما بل بحر صوفة ، كما قالوا في عقد حلف الفضول ، ومقتضى هذا التعبير أنه يجب أن تبقى السموات والأرض لكي تدوم النار ، وإن قيل في هذا الدليل على فنائها مع فناء ما يكون فيها .
ولا دليل على أن النار فانية ، ولها نهاية ، وكذلك الجنة لوجود هذا التعبير؛ لأن التعبير بقول{ خالدين فيها} جاء في آيات الكتاب الحكيم مطلقا غير مقيد ببقاء السموات والأرض ، ويعرف ذلك ما يفهم بطريق مفهوم المخالفة لا يعارض النص بإجماع علماء الأصول ، وإن الخلود في النار ثابت ثبوت الخلود في الجنة ونحن في جميع الأحوال خاضعون لإرادة الله تعالى ومشيئته في الدنيا والآخرة .
ولذا قال تعالى:{ إلا ما شاء ربك} وقد ذكر هذا النص الكريم هنا ، في أهل الجنة ، وقد جاءت آثار في معناه نختار بالذكر منها ثلاثة:
القول الأول:ما ذكره بعض التابعين ، وحكاه الزمخشري من أن الاستثناء هو من الخلود في النار ، أو من أصل دخولها ، والمستثنون هم فسقة أمة محمد ، وغيرهم ممن يؤمنون بالله ، وكان منهم عصيان ، فإنهم يدخلون النار على مقدار معاصيهم ، ويشاء الله أن يخرجوا فيخرجون ، أو أن تنفعهم شفاعة الشافعين ، على رأي جمهور العلماء .
وإن هذا القول قد يستقيم بالنسبة للذين شقوا ، ولكنه لا يستقيم في الذين سعدوا .
والقول الثاني:أن قوله تعالى:{ إلا ما شاء ربك} فيها بيان أن العذاب والعقاب متعلق بمشيئته فهو الفاعل المختار ، والأمر في ذلك متعلق بمشيئته هو في العدل والرحمة ، فليس بحتم عليه:{ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون23}( الأنبياء ) ، فإذا كان قد أدخل الكفار النار فبمشيئته ، وإذا كان قد أعطى المؤمنين الأتقياء جنة ، فبرحمته ومشيئته ، وعطائه ، ولذا قال بعد ذلك{ عطاء غير مجذوذ}:وهذا القول مستقيم نختاره ، ونذكر القول الثالث ، ونراه معقولا في الجملة ولا نرده:
القول الثالث:أن هذا ذكر للاستثناء في مقام الفعل ، أخذ به الله في حقه ليندب خلقه إليه ، كما قال تعالى:{ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا23 إلا أن يشاء الله . . . .24}( الكهف ) .
وإذا كنا لم نختر هذا القول ، بل اخترنا الثاني فإنا لا نقول:إنه قول باطل ، وإنما اختيارنا للثاني لأنه صحيح في ذاته ، ويرشح له قوله تعالى بعد ذلك:{ إن ربك فعال لما يريد} فهذا النص السامي يثبت أن إرادة الله مطلقة في كل ما يعطي ، وكل ما يمنع .
وقوله تعالى إلا ما شاء الله:التعبير ب( ما )دون( من ) لأن معناها أنه إلا أن يشاء الله هذا ما ينال شقوا من عذاب ، أما ما يناله الذين سعدوا ، فقد بينه يقول تعالى: