{ وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ108} ،{ سعدوا} بالبناء للمفعول ، لأن الفاعل معلوم ، وهو الله تعالى ، فالمعنى سعدهم الله ، فسعدوا ، وقد سعدوا ، لأنهم اهتدوا إلى الإيمان والعمل الصالح في الدنيا ، وسعدوا لأنهم دخلوا الجنة على وجه الدوام في الآخرة ، وسعدوا لأن نالوا رضوان الله في الدنيا والآخرة ، ولأنهم يوم القيامة ، يتجلي عليهم ربهم فتنضر وجوههم وتنظر أعينهم ، كما قال تعالى:{ وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23}( القيامة ) .وذكر سبحانه نيلهم الجنة ، فيقول:{ ففي الجنة خالدين} مقيمون على وجه الخلود ،{ ما دامت السموات والأرض} ، وقد ذكرنا أن هذا ليس تقييدا لإرادة الله ببقاء السموات والأرض ، وإنما إرادته مطلقة وإنما كان هذا التعبير تأكيدا لمعنى الخلود ، على مجرى عبارات العرب في تأكيدهم للبقاء بأمر ظاهر البقاء عادة .
وقوله:{ إلا ما شاء ربك} ذكرنا ما قيل فيه ، وقلنا إن المختار عندنا إنه بيان لمشيئة الله التي لا يقيدها شيء فلا حتم عليه ، وإذا كان قوله في أهل النار:{ إن ربك فعال لما يريد} يؤيد معنى المشيئة ، فقوله تعالى:{ عطاء غير مجذوذ} ، يؤيد المشيئة المطلقة هنا ؛ لأن العطاء لا إلزام فيه ، وقوله تعالى:{ غير مجذوذ} ومعناه غير مقطوع بل هو دائم ، والله أعلم .وإذا كانت هذه الأقوام الماضية قد نزل بها ما نزل ، وإن المشركين لا يترقبون مثلها ، فتأس بالأنبياء من قبلك ، واصبر كما صبروا ، ولذا قال تعالى: